حكاية من أرشيف الماضي المؤلم و المخيف ( من تجربة الجبل 10 )
محمد حسن السعدي
بعد عدة شهور من العيش في بغداد وما واجهتني من تحديات يومية خطيرة مع خطورة تصاعد الأحداث الأمنية وسخونة الموقف على جبهات الحرب وأزدياد أعداد الرافضين لها .. أنت في الشارع تمشي ومشتبه بك معرض يومياً الى الاعتقال والموت ، وهذا ليس غريباً على مناضل سياسي يعمل في ظل نظام قمعي شمولي يحتكر العمل السياسي لوحده لا يسمح لغيره بأي نشاط أخر معارض له ، وأن شعر ذلك بأي تحرك مجرد شبهه سوف تتعرض للابادة مع عائلتك ومقربيك .. بهذه الدمويه تمكن البعثيون من فرض حكمهم على العراقيين لعقود خلت .. ولولا عبور الهمر الامريكية من أرض الجوار الى أرض العراق الوطنية عام ٢٠٠٣ مع ثمة عملاء وأزاحة البعث لبقى جاثماً على صدور العراقيين سنوات طويلة ومن أسباب ذلك ضعف قوى المعارضه وتشتتها بغياب الخطاب الوطني .
كانت الحرب و ويلاتها ظاهرة على أمزجة الناس في الخوف والتردد رغم جهود البعث الواضحة للعيان في محاولاته اليومية في التغلب على أزمات الحرب وأنعكاساتها السلبية على معيشة الناس وحياتهم الطبيعية وأيضا جهد البعث واضح بقوة القمع والاستبداد بعسكرة الحياة لصالح الحرب تحت مسميات أنها حرب وطنية في الدفاع عن أرض العراق الوطنية والبوابة الشرقية للأمة العربية تحت مجرى جاري من الأموال الخليجية ، فليس من السهولة أن تتحرك وسط تلك الأوضاع وتعيد الاتصالات بالناس وتتحدث معهم بحتمية التاريخ وتاريخ الثورات .
يقولون لك ويحاججونك علينا في الحاضر نريد شيء عملي اليوم لنبني عليه أستنتاجات وحلول وأمال , سياسة النظام البعثي لا تستوعب تعدد الأحزاب والحريات فهما حكراً له وتشكل خطوطاً حمراء لا يسمح التقرب منها , فوضع النظام خطته قبل بداية الحرب العراقية – الإيرانية مشاريع تنمية وبناء وعمران مما تركت أثرها السلبي على نفسية ونمطية عيش المواطن العراقي تجاه العمل السياسي المعارض ، وممن كان يعيش تلك الفترة فبل الحرب وأثنائها شعر بتلك المتغيرات والتغيرات في حركة المجتمع العراقي لولا أطالة الحرب التي أفسدت سياسة النظام الاقتصادية وكبلته بديون وأرقام شلت من خططه ودفعته بمعالجة أزماته بحرب تلد أخرى .. ودخل الناس والمجتمع في نفق مظلم .. حصار ١٣ عاما تدمير كامل لنسيج مجتمع وتفكيك بنيته وما زالت أثاره عالقه في سلوكيات المواطن العراقي .
في تلك الأيام من العيش والعمل الحزبي في بغداد وسط الناس .. تعرفت على خط حزبي كامل يمتد بين مدينة الكاظمية ومروراً بمدينة الحرية الى الشعلة وبغداد الجديدة , خط حزبي مخترق بالكامل من قبل الأمن العراقي وهناك من ضمنه رفاق يعملون بنكران ذات ولَم يفطنوا اليه على أنه خط ممول من الأمن وبأشراف مباشر منهم في طبع أعداد من الجريدة ( طريق الشعب ) وطريقة توزيعها وعلى مَن يتم توزيعها وردود الأفعال حولها ومحاضر عن لقاءاتهم وتحركاتهم اليومية .
حكاية هذا الخط الحزبي بدأت في كلية الهندسة جامعة بغداد بتشكيله الأول ، عندما بدأ علاء سفر الشيوعي القديم والطالب في كلية الهندسة وأبن مالك فرن الصمون في منطقة الحرية الاولى في بغداد بالتحرك بتشكيل خلية حزبية مع زملائه في الجامعة عادل موات وحسين .. حلموا بوطن هاديء بعيداً عن الدكتاتورية والحرب ، لكنهم لم يفطنوا أن عيون الرقيب ترصدهم وترصد طبيعة علاقاتهم فاعتقلوا تحت عتمة الظلام وسواموهم تحت وطأة الحراب في التهديد والوعيد وأجبروهم أن يواصلوا عملهم الحزبي برعايتهم لتكن كمين مبيت للشيوعيين المقطوعي الصِّلة وممن يبحثون عن خيط للوصول بتنظيمات الشيوعيين ، وهذا ما جرى مع عبد الرضا دبش وخطيبته في كلية الادارة والاقتصاد في بغداد ومع الضابط غسان من أهالي الكاظمية ومع نيران من مدينة سليمانية الطالبة في كلية الهندسة ، وأخرون لم يسمح وضعي الأمني في التعرف عليهم .
ومن خلال علاقتي بـ “عبد الرضا دبش” أطلعت على تلك الخيوط المعقدة ، وجدت عندهم أخر أعداد طريق الشعب وبيانات اللجنة المركزية في أجتماعات دوراتها العادية وأيضا كنز من المعلومات حول عقد المؤتمر ونتائجه ومنها مقالاً في جريدة السياسة الكويتية بقلم رئيس تحريرها أحمد جارالله حول الصراع في الهرم القيادي الذي تم داخل أروقة المؤتمر الرابع وتتصدر صورة عريضة بالباس العربي ( عكال وعباءة ) للشيوعي باقر أبراهيم يبدو تقرير معد في دوائر مديرية المخابرات العراقية , تعاملت بحذر مع عبد الرضا ومن خلاله تعرفت على الضابط غسان , أنني علي الموسوي بهذه الكنيه الموهومة يعرفونني ويخاطبونني .. المرة الوحيدة التي شعرت بها أنني مراقباً أثناء ذهابي من الأعظمية الى سكني في مدينة الكاظمية فغيرت أتجاهي الى مدينة الحرية الى بيت عبد الرضا دبش .