قصة ( معاذ العنبرية ) . . أبخل البخلاء
قصةُ “معاذ العنبرية” من كتاب البُخلاء للجاحظ، هي قصة لامرأة بالغت في بخلها واشتدت فيه حتى أعيت البخلاء من حولها، وذلك عندما أهدى إليها ابن عم لها أضحية وجلست تقرر ما يجب عليها فعله بهذه الأضحية حتى تستطيع استخدام كل جزء فيها كما ينبغي حتى البعر والروث، لذلك كان العرب قديمًا يتندرون ببخل معاذ العنبرية.
قصة معاذ العنبرية أبخل البخلاء : قال شيخ من البخلاء : لم أر في وضع الأمور في مواضعها وفي توفيتها غاية حقوقها، كمعاذة العنبرية , قالوا : وما شأن معاذة هذه؟ قال : أهدى إليها العام ابن عم لها أضحية، فرأيتها كئيبة حزينة مفكرة مطرقة فقلت لها : مالك يا معاذة ؟ قالت : أنا امرأة أرملة وليس لي قيم (أي زوج يقوم بأمرها)، ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي، وقد ذهب الذين كانوا يدبرونه ويقومون بحقه، وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشاة، ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنها، وقد علمت أن الله لم يخلق فيها ولا في غيرها شيئا لا منفعة فيه ولكن المرء يعجز لا محالة، ولست أخاف من تضييع القليل إلا أنه يجر إلى تضييع الكثير.
أما القرن فالوجه فيه معروف، وهو أن يجعل كالخطاف ويسمر في جذع من جذوع السقف فيعلق عليه الزبل (السلة) والكيران وكل ما خيف عليه من الفأر والنمل والسنانير وبنات وردان (الصراصير) والحيات وغير ذلك , وأما المصران فإنه لأوتار المندفة، وبنا إلى ذلك أعظم الحاجة، وأما قحف الرأس (العظم فوق الدماغ) واللحيان وسائر العظام فسبيله أن يكسر بعد أن يعرق ثم يطبخ. فما ارتفع من الدسم كان للمصباح وللإدام وللعصيدة ولغير ذلك، ثم تؤخذ تلك العظام فيوقد بها فلم ير الناس وقودا قط أصفى ولا أحسن لهبًا منها، وإذا كانت كذلك فهي أسرع في القدر لقلة ما يخالطها من الدخان.
وأما الإهاب فالجلد نفسه جراب وللصوف وجوه لا تعد، وأما الفرث والبعر (الفضلات أو الزبل) فحطب إذا جفف عجيب، ثم قالت: بقي الآن علينا الانتفاع بالدم. وقد علمت أن الله عز وجل لم يحرم من الدم المسفوح إلا أكله وشربه وأن له مواضع يجوز فيها ولا يمنع منها. وإن أنا لم أقع على علم ذلك حتى يوضع موضع الانتفاع به صار كية في قلبي وقذى في عيني وهمًا لا يزال يعاودني.
فلم ألبث أن رأيتها قد تطلقت وتبسمت، فقلت: ينبغي أن يكون قد انفتح لك باب الرأي في الدم، قالت: أجل، تذكرت أن عندي قدورًا شامية جددا وقد زعموا أنه ليس شيء أدبغ ولا أزيد في قوتها من التلطيخ بالدم الحار الدسم، وقد استرحت الآن إذ وقع كل شيء موقعه. قال: ثم لقيتها بعد ستة أشهر، فقلت لها: كيف كان قديد تلك الشاة؟ (القديد هو اللحم المجفف المحفوظ) قالت: بأبي أنت! لم يجيء وقت القديد بعد! لنا في الشحم والألية والجنوب والعظم المعروق وغير ذلك معاش! ولكل شيء إبان! إياك والبخل فقد قالوا عنه:
– خصلتان لا تجتمعان في مؤمن، البخل وسوء الخلق. ” النبي محمد صلى الله عليه وسلم”
– البخيل حارس نعمته وخازن لورثته. ” جاك بريفير”
– الجبان يزعم أنه حذر، والبخيل يزعم أنه مقتصد. “بوبليليوس سيروس”
– البخل من سوء الظن، وخمول الهمة، وضعف الروية، وسوء الاختيار، ونكران الخيرات. “يحيى بن خالد البرمكي”
– البخل أن يرى الرجل ما أنفقه تلفًا وما أمسكه شرفًا. “الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)”
– قمة الجنون أن يعيش المرء فقيرا ليموت غنيا. “جوفينال”.