عشيقة صدام : حزنت على نهاية صدام حسين المأساوية
تقلب صحائف ألبوم صورها في منزلها بالسويد، وتشير إلى صور الألبوم قائلة: “هذا أبي، هذه أمي، هذا أخي، وهذه أنا، هؤلاء أهلي وأقاربي، أعمامي مع زوجاتهم”، وهي وحيدة تروي ذكريات تلك الأيام التي أمضتها مع أقوى رجل في الشرق الأوسط.
القصة يتناولها برنامج وثائقي أعده تلفزيون Rudwa عن سيدة يونانية كانت عشيقة صدام حسين، وسيعرض قريباً على شاشة رووداو، بارسيولا لامبسوس، اليونانية الأصل التي ولدت في لبنان، والدها كان يملك مصنعاً ضخماً، وقد دعته الحكومة العراقية في خمسينات القرن الماضي لإنشاء مصفى للنفط في العراق، ومن هناك تبدأ قصة بارسيولا.
كانت بارسيولا فتاة صغيرة عندما انتقلت عائلتها في العام 1956 إلى العراق لتبدأ فيها حياة جديدة، تقول بارسيولا: “بدأت أنمو وأزداد جمالاً وجاذبية وقوة كل يوم، في تلك الفترة العمرية، تحلم الفتيات جميعاً بحياة جديدة وبالسعادة، في تلك الفترة من حياتي تعرفت إلى صدام حسين”.
كلما أغمضت عينها، تحاول أن تتذكر اليوم الذي عرفت فيها صدام حسين، تروي بارسيولا قصة ذلك اليوم، وتقول: “هاتفتني بي جارتي جينا، وأخبرتني أن عندها اليوم ضيف، وكأنني كنت قد شعرت مسبقاً بأنني سأتعرف اليوم على شخص جديد، كنت في كامل زينتي، لكنني أقسم أنني لم أكن يومها أعرف من هو، لن أنسى ذلك للحظة، وأتمنى أن أعيش تلك اللحظة مرة أخرى، حين وقعت عيناي عليه، ربّاه، كان وسيماً جداً. كان في نظري ذلك الأمير الذي جاء يمتطي صهوة جواده ليخطفني معه، كانت مجرد ثواني قليلة، لكنني لم أنس تلك الثواني إلى الآن”.
لفت جمالها الأخاذ انتباه صدام، وهكذا لم يكن ذلك اللقاء بينهما في دار جينا اللقاء الأخير بين صدام وبارسيولا.
لم تكن تعلم أنّ صداماً قد نصب لها فخاً، فقد أخضعها لمراقبة أعوانه، كانوا يعرفون صديقاتها.
وتحكي بارسيولا: “كانت فريال واحدة من صديقاتي، وكانت موكلة بتوفير البنات والنساء لصدام كلما طلب واحدة، جاءتني وخرجنا في سيارتها غادرنا المدينة، فوجدتنا أمام منزل ضخم، فتحت لنا الأبواب، وألقيت نظرة إلى الداخل، وفار دمي إنه هو، لقد رأيت صداماً. تثلّجت، كنت مصدومة”. لا تريد بارسيولا أن تروي ما حصل بعد ذلك: “لم أكن قادرة على قول لا أو إبعاده عني، نظرت إلى نفسي، وإذا بي لم أعد نفسي”.
في الفترة التي كان صدام حسين يتخذ استعداداته لتولي رئاسة حزب البعث تزوجت بارسيولا من سيروب ستيفان سكندريان، الذي كان ابن أغنى عائلة عراقية لكن ظل صدام لم يفارقها: “كنت سعيدة جداً، فقد رزقت بولد من سيروب، أصبحت أماً، وتولدت عندي مشاعر جديدة كنت أحترم زوجي. لكنني لم أنس صداماً أبداً”.
جاء عيد الميلاد، وكانت شجرة الميلاد تزين دار بارسيولا وسيروب، كان الجميع يشاهد التلفاز ويتابعون الأخبار والمذيع يتلو بياناً، وكان البيان يضم قائمة طويلة بأسماء العوائل الثرية التي صادرت الحكومة أموالها وثرواتها وكان اسم سيروب ستيفان سكندريان من بين تلك الأسماء.
تقول بارسيولا: “عندها نهض زوجي من جلسته وانقض على شجرة الميلاد وألقاها في باحة الدار، وقال لقد خسرنا كل شيء كان يملك مزرعة ديالى وأم العظام، وكل العراقيين يعرفون ما هي أم العظام كانت تلك الضربة الأولى التي تلقيناها كنت أظن أنه نسيني، لكنه أخبرني: سأراقبك أينما كنت، وسأعرف دائماً كل ما تفعلين”.
في تلك الليلة، طرق أحدهم باب الدار كانا اثنين من أصدقاء زوجها، قالوا له: “ما الذي تفعله هنا! ستموت سيأتي صدام صباح الغد ويأخذك، إذهب من هنا حالاً” في تلك الليلة نفسها خرج زوجها ولم تره بعد ذلك.
كانت بارسيولا حينها في الثانية والعشرين، فحملت معها أولادها وذهبت إلى دار والدتها، لتعود إلى نفس الغرفة التي نشأت فيها.، وذات يوم، وهم جلوس، دق أحدهم باب دار والدتها، “كان علي السويدي، محامي زوجي، يحمل إلي مظروفاً، وقال هذا لك اطلعت على الورقة فوجدتها قسيمة طلاق لقد اتفصلت عن زوجي بدون أن أعلم بذلك”.
بعد سيروب، لم يبق لحياة بارسيولا في العراق معنى، لذا قررت الرحيل إلى اليونان حيث استأجرت منزلاً وحصلت على وظيفة، لكن عندما حان وقت انخراط أولادها في الدراسة اضطرت للعودة إلى العراق تقول بارسيولا: “عندما فتحت المدارس أبوابها، اصطحبت أولادي إلى المدرسة، فأخبروني بأن علي أن آتيهم بتأييد من السفارة يثبت أن أولادي قد درسوا في العراق”.
وكأن كتاب التأييد ذاك كان شركاً للإيقاع ببارسيولا: “ذهبت إلى السفارة العراقية، والتقيت السفير، وجلست معه قال أعرف سبب مجيئك تريدين الحصول على كتاب تأييد، لكن هناك موضوعاً يجب أن نخبرك ب. وردنا كتاب من رئاسة الجمهورية فقلت: ماذا؟ قال: يقول الكتاب إن السيد رئيس جمهورية العراق –صدام حسين- قد أمر بأن تعود السيدة بارسيولا وأولادها الثلاثة إلى العراق وقال يجب أن تسلمينا جوازك اليوناني اليوم، ولا تنسي بأن لديك عائلة هناك”.
عادت بارسيولا إلى العراق، لكن تلك كانت بداية قصة بارسيولا، حيث تقول: “عدت إلى أمي، وساءت أحوالي من جديد وفي الساعة الثامنة من صباح أحد الأيام، جاء ضابطان في طلبي وصحباني إلى دائرة الإقامة وهناك عند البوابة الخارجية، أدوا لي التحية العسكرية. قلت ما هي المشكلة؟ هل ستعيدون إلي جواز سفري؟ قالوا سنزودك بجواز سفر عراقي يحمل توقيع صدام حسين، إنه جواز خاص بذوي الدرجات الخاصة”.
كان صدام على عجلة من أمره، يريد لقاء حبيبته، وفي اليوم التالي أرسل أتباعه في طلب بارسيولا كانت بارسيولا مضطرة، لكنها كانت تعرف أنها ستحل ضيفة على صدام، لذا تزينت بكامل زينتها ولم ترد أن تظهر الضعف، “أغلقت باب قلبي، كنت أفكر، لأنني لو بحت بما يعتلج في قلبي للقيت الموت كان أشبه بفلم عندما ذهبت إليه، كان واقفاً ورائي قال “لم تتغيري، بل أنت أجمل بكثير لم أرد عليه، ولم أقل شيئاً نظرت في عينيه فقط نظر إلي وقال: لا ترمقيني هكذا يبدو أن نظرتي أغضبته ثم قال، انتهى لقد قلت كل ما أردت أن تقولي. يمكنك أن تذهبي، سأتصل بك هاتفياً”.
عاش صدام حياة صعبة، عاش في الشوارع، وتجول فيها حافياً لم تتسن له رؤية أبيه عندما ولد وتزوجت أمه من جديد بعد سنوات من ضنك العيش، انضم عن طريق خيرالله طلفاح إلى حزب البعث منحه حزب البعث السلطة وخطوة بخطوة وجد نفسه واكتشفها.
تقول بارسيولا في وصف صدام: “كان صام مميزاً، ذكياً جداً في إثبات ظهوره لكنه حين كان يغضب أو يفرح، أو يريد شيئاً من أحدهم، أو يعاني مشكلة، كان يعجز عن إخفاء مشاعره كل من كان حوله، كان عليه دائماً أن يترقب الجيد والسيء كان صدام من الذي يدعو أحدهم إليه في لحظة ويقول له سأمنحك بيتاً ثم يدعوه بعد قليل ويقول له سأستأصل قلبك من بين جنبيك لم يكن أحد يستطيع التنبؤ بما يفكر فيه ولهذا فقد كان ذا شخصية شديدة التعقيد”.
تصرفات صدام تلك، أفقدت بارسيولا كل مشاعرها تجاهه، وجعلتها تركز على حياتها فقط، وكيف ستعيش وكيف يمكن أن تسايره، “لكنني كنت دائماً خائفة لا أدري هل سأبقى حية غداً أم لا لم يكن أحد مع صدام يضمن حياته”.
نشرت بارسيولا ذكرياتها مع صدام حسين في كتاب بعنوان (حياتي مع صدام My Life With Saddam) والذي تمت ترجمته إلى الآن إلى حوالي أربعين لغة.
وتقول بارسيولا إن عدي عينها سكرتيرة له في اللجنة الأولومبية بدون رغبة منها وهي تعرف الكثير عن عدي، وتقول “كان عدي يستخدم صنفاً من المواد المخدرة، وكانت خطورتها تكمن في أنه قتل عدداً من أصدقائه تحت تأثير المخدر”.
حتى أن عدي لم يكن يتورع عن الاعتداء على أصدقاء والده وتروي بارسيولا قصة مقتل كامل حنا وتقول “كان كامل حنا من أفضل أصدقاء صدام، وكان يحبه كثيراً لم يكن صدام يأكل ولا يشرب شيئاً إلا بعد أن يتذوقه كامل حنا ولم يكن يذهب إلى أي مكان بدون أن يصحبه معه لكن، أنظر ما الذي حصل ذات يوم من أيام العام 1988، زار حسني مبارك وسوزان مبارك، صداماً. فنظم صدام حفلاً. تسبب عدي في مشاكل كثيرة في البدء أخبروه بأنه لا يسمح له بالدخول وإزعاج والده، لكن عدي كان يسمع موسيقى صاخبة بجانب الغرفة التي فيها والده وضيوف والده فأمر صدام كامل حنا بأن يذهب ويطلب من عدي خفض صوت الموسيقى، وعندها قتل عدي كاملاً. لم يكن عدي يقيم وزناً لأحد، حتى أنه لم يكن يخشى صداماً أو غيره، فقد كان الابن المدلل لوالدته”.
وعن قصي، تقول بارسيولا: “كنت أعرف عدي، كان مختلفاً تماماً عن عدي كان يشبه خاله كثيراً، بل كان نسخة عنه، لم يكن متهوراً ولا طائشاً كعدي لكنه في النهاية كان من نفس العائلة”.
كان عدنان خيرالله شقيق ساجدة وابن خيرالله طلفاح وترى بارسيولا أنه كان شخصاً ممتازاً “كان صدام يخشاه كان يحبه، لكنه قتله لأنه كان يخاف أن ينقلب عليه.
وتتحدث بارسيولا عن اليوم الذي قتل فيه عدنان: “في ذلك اليوم، طلب صدام من ساجدة أن يزوروا خيرالله طلفاح وكان على عدنان التوجه إلى مكان ما في مهمة، ليعود في اليوم التالي قالت له ساجدة، أعلم أنك تنوي قتله، وأعلم أنك ستقتله وبعد دقائق انفجرت المروحية في الجو”. وتقول بارسيولا “لم يكن صدام يثق في أحد، وجميع المسؤولين الذين كانوا حوله كانوا لا شيء، لم يكن صدام يثق حتى في ظله”.
وعن رغبات صدام، تقول بارسيولا: “كانت له هوايات عديدة، كان يحب الصيد كثيراً كان يهوى الطبيعة وكان إذا تملكه الحزن يبقى في غرفة لوحده يشاهد الأفلام وغيرها، ولم يكن يحب أن يتحدث إلى أحد”. وتضيف: “كان يحتشي نوعية خاصة من الويسكي، وفي بعض الأحيان كان يرقص حاملاً زجاجة الويسكي وحينها كان المرء يدرك بأنق قد أفرط في الشرب وسكر ثم كان يرفع مسدسه، وكانت تلك طريقته في التعبير عن الفرح”.
وتسترسل بارسيولا في الحديث عن هوايات ورغبات صدام، فتقول: “كان يحب أن يعتمر قبعة، كما في الأفلام الأمريكية و يحب كثيراً مشاهدة فلم (العراق- غاد فاذر) مرة في الشهر”. وتضيف أن صدام “كانت عنده قصور ومحلات استجمام كثيرة في شمال العراق كان يحب كثيراً أن يكون في تلك المنطقة، ويلتذ من المكث فيها وكان كلما زار دهوك أو السليمانية، يسجل جولته على شريط فيديو، وهو يلعب ويمرح ويضحك مع أفراد عائلته”.
وعندما سألته بارسيولا عن كل تلك القتول وإراقة الدماء، أجابها صدام “أنت لا تعرفين شيئاً، فلم تكن نشأتك هنا في الشوارع أنا نشأت في الشوارع، ولهذا أعرف الناس جيداً وأعرف ما يريدون”.
لا تنتهي ذكريات بارسيولا المرة، فقد وقعت هي وأولادها في شباك عائلة صدام، وتروي حكاية اليوم الذي اعتدى فيه عدي على بناتها، وتقول: “في أحد الأيام، دعا عدي بناتي للخروج في رحلة صيد لم نكن نملك من الأمر شيئاً، كنا ثلاث نساء، ومن كان يجرؤ على قول لا لعدي؟ كان الوقت مساءً عند عودتهم وكانت حالة واحدة من بناتي صعبة للغاية، ولم أكن أستطيع أن أسأل ما الذي جرى لهن أغمضت عيني وتراءت لي تفاصيل ما حصل معي”.
بارسيولا لا تشعر بالندم على ماضيها، فما كان بيدها حيلة، لكنها تقول لو أنها عادت إلى تلك الأيام، فإن عندها الكثير من الطرق لتقول لصدام لا.
وطوال فترة مكوثها في قصور صدام، كانت بارسيولا تبحث باستمرار عن فرصة تنقذ فيها نفسها منه، وجاء ذلك اليوم وهربت بارسيولا: “بعد يوم طويل، وصلت إلى دهوك، وجاءني بعض الأشخاص، فوجدت نفسي في مخابرات كوردستان، قالوا: أنت بارسيولا؟ أنت ضيفتنا فتعالي معنا، أخذوني إلى طريق الموصل، وقبل بلوغ الموصل توقفنا، لمحت سيارة سوداء قادمة، فترجل السائق الذي كان يقلني وتحدث إلى سائق تلك السيارة، وقبض منه المال، ثم وصلنا إلى الأردن”.
وهناك تم تسليم بارسيولا إلى مجموعة أشخاص، كانوا ينادون المسؤول عنهم “حجي”، “قال لي نحن نعرف عنك كل شيء وقد دفعنا الكثير للحصول عليك لم أكن أعرف من الذي قد يقف وراء تلك القصة لكنهم قالوا بأن علي الذهاب إلى سوريا لكن ذلك صعب جداً ومحفوف بالمخاطر، لأن المخابرات العراقية كلها تبحث عنك، وفي أحد الأيام، جاء “حجي” وقال: عندنا ضيوف ضيوف أمريكيون. ترى ما الذي كان الأمريكيون يريدونه؟ كان تلفزيون أي بي سي، قد أوفد كبير مراسليه، كلير شيبمان وفريقه عندها وضحت لي الصورة، وعلمت أن الأمريكيين كانوا يساندونني، كانوا بحاجة إلي للتعرف على الحياة الخاصة الحقيقية لصدام”.
اقترح الأمريكيون على بارسيولا أن تعود إلى اليونان، لكنها اختارت الذهاب إلى السويد، وتقول: “تم استقدامي إلى السويد بمساعدة بعض معارفي، فقد كانت عندي مشاكل في اليونان، كانت اليونان في تلك الأيام مفتوحة يستطيع الجميع بلوغها بسهولة، ومن بينهم مخابرات صدام فقالوا تعالي إلى السويد”.
انتزع صدام حياة بارسيولا وأولادها منها، لكنها لم تكن ترغب أبداً أن تكون نهاية صدام مأساوية إلى هذا الحد، وتقول: “لم يبد صدام الندم أبداً ولم يعتذر أبداَ حزنت عليه، ليس لأنه شخص جيد أو لأنني أحببته، بل كنت أتساءل لماذا كان يجب أن تكون هذه نهاية صدام، لماذا وضع نفسه في ذلك الموقف؟ لم أكن أريد رؤيته هكذا أين ذهبت سلطته؟”.
شاهدت بارسيولا مشهد إعدام صدام، وتقول: “لحظتها كانت تتراءى لي مشاهد حياته مشهد بعد مشهد المشاهد الجيدة والسيئة منها لم أكن أستطيع تصديق ما أرى، لم يكن متوقعاً أن يحصل هذا لصدام”. وتشير إلى مشاعرها: “ماذا أقول؟ فرحت؟ حزنت؟ صُدمت انتزع صدام حياتي كان أهون علي لو أنه قتلني كنت حية، لكنه سلبني حياتي