تشهده الميزانية الأميركية عجزاً كبير ويزداد الوضع سوءاً، فميزانية 2018 حسب تقديرات إدارة الرئيس ترامب، تشهد عجزاً يقارب 900 مليار دولار، بينما يقترب العجز في ميزانية 2019 من تريليون دولار مع حجم إنفاق متوقع يبلغ 4.4 تريليون دولار.
وطبقاً للأرقام المطروحة حالياً، فإن الدين العام سيبلغ في أكتوبر المقبل 15.7 تريليون دولار، ليكون نصيب الفرد من الرجال والنساء وحتى الأطفال في الولايات المتحدة 48081.61 دولار، وذلك بخلاف الأموال اللازمة لدعم الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية والتي تبلغ أكثر من أربعة أضعاف الدين العام الحالي، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف انهارت ميزانية الولايات المتحدة بهذا الشكل؟ فهذا لم يحدث بين ليلة وضحاها.
خلال العقود السبعة الماضية حقق النمو الاقتصادي والارتفاع في قيمة الضرائب الفيدرالية أرباحاً قياسية، ولكنها لم تكن كافية لتسد شهية الكونجرس الشرهة للإنفاق، فمنذ الحرب العالمية الثانية زادت أرباح الضرائب الفيدرالية في الولايات المتحدة بسرعة أكبر من الدخل القومي بنسبة 15%، بينما زاد معدل الإنفاق بسرعة أكبر وصلت نسبتها إلى 50%.
وتشير البيانات إلى أن كل الزيادة في الإنفاق الفيدرالي فيما يتعلق بإجمالي الناتج القومي، خلال العقود السبعة الماضية، يعزى إلى الإنفاق على الاستحقاقات، ومنذ نهاية الأربعينيات من القرن الحالي فإن نسبة الاستحقاقات من إنتاج الولايات المتحدة من بضائع وخدمات ارتفعت من أقل من 4% إلى 14%.
والأمر الذي قد يمثل مفاجأة هو أن ما ينفق من إجمالي الناتج المحلي على ميزانية الدفاع، وعلى برامج أخرى غير ذات صلة بالدفاع، لم تتغير منذ 70 عاماً وحتى الآن.
والتناقض في الزيادة طويلة الأمد بين الإنفاق على الاستحقاقات، والتقليص الطويل الأمد أيضاً لميزانية الدفاع، يعكس التحول في أولويات الحكومة الفيدرالية خلال السنوات الماضية، وحتى الآن، حيث تقوم بإعادة توزيع الدخل على حساب الإنفاق على الدفاع.
حرب فيتنام، ثم تعزيز الرئيس رونالد ريجان للدفاع العسكري، ومن بعدهما الحرب في كلٍ من العراق وأفغانستان، كانت بالتأكيد كلها مكلفة، ولكن الأرقام تشير إلى أن الزيادة في الإنفاق على الدفاع في كل حالة على حدة تتوارى، إذا ما قورنت بالنمو المذهل في الإنفاق على الاستحقاقات.
ويقدر حجم الإنفاق على الاستحقاقات حالياً بما يقرب من ثلثي إجمالي الإنفاق الفيدرالي في الولايات المتحدة، بينما يقدر الإنفاق على الدفاع بسدس الميزانية الفيدرالية، برغم الزيادة الحالية في ميزانية الدفاع. وحتى في حالة زيادة ميزانية الدفاع بمقدار الضعف، فإنها ستظل نصف حجم إنفاق الحكومة الفيدرالية على الاستحقاقات.
ولا يمكن تحقيق تخفيضات كبيرة في عجز الميزانية إلا عن طريق تقييد نمو الإنفاق على الاستحقاقات.
ويتبين من التاريخ أن هذا التقييد غير ممكن من دون تدخل مؤسسة الرئاسة. وللأسف، فشل الرئيس ترامب في التدخل لحل تلك المشكلة. وتقترح ميزانية الإدارة الأميركية الحالية خفضاً بنسبة 1% فقط من الإنفاق على الاستحقاقات الذي ينمو بنسبة 6% سنوياً.
واستبعد ترامب، إحداث أي إصلاح ذات قيمة تذكر للضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وهما أكبر برنامجين للاستحقاقات.
وتبين ميزانية الإدارة الأميركية الحالية أن نفقات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية هذه العام ستتجاوز الضرائب المفروضة على الرواتب، وكذلك المدفوعات المخصصة لدعمهما بمبلغ 420 مليار دولار. وسيمثل عجز الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية نصف العجز الإجمالي في ميزانية العام الحالي.