تقارب سعودي مع أطراف شيعية عراقية يكشفها تقرير للفاينانشيال تايمز
التقارب السعودي العراقي .. خطوة ضد الطائفية أم للالتفاف على إيران؟
في مقال بصحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية سلط تقرير الضوء على التقارب السعودي العراقي في الآونة الأخيرة، قائلةً إن المملكة السنية وجدت في العراق شيعية المذهب حليفًا.
وأوضحت الصحيفة أن مدينة النجف العراقية- تبعد 160 كيلو مترًا عن العاصمة بغداد- تبدو من الظاهر مكانًا لا يحتمل أي شخص غير الحجاج الشيعة، ولكنها نجحت في جذب السعودية الغنية بالنفط، مضيفةً أن اختراق المملكة السنية للنخبة الدينية الشيعية في العراق على مدى العام الماضي يمثل تحولًا في الإستراتيجية الإقليمية للرياض.
وأبرزت الصحيفة رغبة رجال الدين الشيعة العراقيين في الإنصات إلى الرياض على الرغم من قلق الإنجرار إلى صراع بالوكالة بين السعودية وإيران.
ورأت الصحيفة أن جهود الرياض لإيجاد حلفاء شيعة ضد إيران قد تكون فرصة لنزع فتيل الطائفية التي تسببت في صراع دامٍ في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
وقال السياسي العراقي الشيعي “علي الأديب”: “قد يكون الوضع هادئًا في العراق الآن… ولكن المنافسة بين هاتين القوتين وصلت إلى ذروتها، ولا أرى أيًا من الجانبين مستعدًا للحوار. إننا نعيش في منطقة حافلة بالمفاجآت.”
ولفتت الصحيفة إلى توتر العلاقات بين العراق وجيرانها من دول الخليح منذ حرب الخليج في العام 1991 وتعثر فرص المصالحة بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، فضلًا عن تمكن الأغلبية الشيعية من السيطرة على السلطة، إذ تواجه منافسة الطوائف السنية بلجوء العديد من القادة إلى طهران، وتقديم الحرس الثوري الإيراني دعمًا كبيرًا للميليشيات الشيعية المتشددة في العراق.
وفي تلك الفترة، اتهم العراقيون دول الخليج- خاصةً السعودية- بتمويل الجماعات السنية المتطرفة مثل: تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين اللذين أشعلا الحرب الأهلية في بلادهم.
لكن مرحلة جديدة بدأت إثر محاولة إعادة التعاون السعودي العراقي. عبر جهود أثمرت زيارات قام بها اثنان من أبرز الزعماء الشيعة العراقيين وهما رجل الدين والسياسي “مقتدى الصدر” ورئيس الوزراء “حيدر العبادي”.
وبحسب الصحيفة، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان تبنى هذه الإستراتيجية كطريقة لتحدي نفوذ إيران الإقليمي المتوسع بجانب إطلاق حملته للإصلاح الجذري لاقتصاد السعودية.
ونقلت الصحيفة عن “ضياء الأسدي”، البرلماني العراقي المقرب من “مقتدى الصدر”، قوله: “أدركت المملكة العربية السعودية أنه لا يمكن الاستغناء عن التعايش مع الشيعة. والآن يريد السعوديون إخبار الجميع أنهم ليسوا ضد الشيعة، لكنهم ضد الشيعة الذين تحركهم إيران.”
ونوهت الصحيفة إلى أن هذا النهج يلائم بعض الشيعة الذين يشعرون بالقلق تجاه تصاعد دور إيران في العراق، مشيرةً إلى يقظة رجال الدين في النجف للتدخل الإيراني، كما أن بعض السياسيين الشيعة – الذين ركبوا موجة القومية العراقية بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي – يستغلون الهوية المشتركة مع دول الخليج العربي كجزء من محاولات إنجاح جهود إعادة إعمار العراق والذي يحتاج إلى 88 مليار دولار أمريكي تقريبًا، ولإدراكهم أن التنمية وحدها ليست مفتاح إعادة البناء بعد حرب استمرت ثلاث سنوات ضد التنظيم، وإنما إنهاء دورة العنف الطائفي التي بدأت منذ عقد.
وأعرب السياسي الشيعي الذي يرأس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان العراقي، والذي كان في السابق منحازاً للأحزاب الموالية لإيران “أحمد الكناني” عن أمله في أن تسرع الدول العربية لدخول السوق، موضحًا: “العراق جزء مهم من العالم العربي، ويجب أن يعود إلى حضنه.”
ومن وجهة نظر الصحيفة، فإن قيادات المملكة العربية السعودية قادرة على أن تتغلب على الوجود القوي لإيران في العراق والذي يقيد طموحاتها.
ووصفت الصحيفة مدينة “النجف” بهدف السعودية الطبيعي؛ إذ يمارس فيها رجال الدين البارزون نفوذًا هائلًا على العراق والعالم الشيعي، معتبرةً أن من شأن انقلاب كبير للرياض أن يطور علاقة مع آية الله في النجف حيث يتمتع عدد قليل من رجال الدين بتأثير كبير مثل “علي السيستاني” الذي أرسل بفتوى واحدة في العام 2014 عشرات الآلاف من الرجال العراقيين للانضمام إلى الجماعات شبه العسكرية التي تقاتل تنظيم داعش بعد سيطرته على أكثر من ثلث البلاد.
ويقول مسؤولون محليون إن مكتب “السيستاني”- ينتقد هو الآخر التدخل الإيراني- لا يزال حذرًا من المبادرات السعودية، ولكنه حافظ على الاتصالات. وفي النجف وجميع مدن العراق، تناشد الرياض من أجل هوية عربية مشتركة، وهو الشيء الذي تفتقده بغداد مع إيران ذات الأغلبية الفارسية.
في فبراير/ شباط الماضي، لعب فريق كرة القدم السعودي مع نظيره العراقي في مدينة البصرة في أول مباراة له بالعراق منذ ثمانينيات القرن الماضي حضرها 60 ألف مشجع. وعلى الرغم من خسارته 4-1، ووعد العاهل السعودي الملك سلمان ببناء استاد يسع 100 ألف مشجع في بغداد.
وأرسلت المملكة أيضًا وفودًا من رجال الأعمال والصحافيين، معظمهم لم يزر العراق منذ عقود؛ ما أثار الحنين إلى حقبة ما قبل تمزق العراق بسبب الحرب. وأشار الخبير الاقتصادي السعودي “أدهم فاخر” إلى بكاء بعض أعضاء الوفد أثناء ترحيب المسؤولين العراقيين بهم، متذكرًا دهشته ومشيدًا بحماسة الجانبين لهذا اللقاء.
وتقول المحللة ” إليزابيث ديكنسون” بمجموعة “إنترناشيونال كريسيز” أن الرياض تضع أساسًا لتعاون صبور طويل المدى، وتفعل أقصى ما بوسعها لإعادة بناء العلاقات، والروابط، وحتى صورتها العامة، لافتةً إلى وجود احتمالات حقيقية لتعاون السعودية مع العراق من أجل صياغة نموذج جديد لكيفية ردع النفوذ الإيراني في المنطقة.