دور المرأة في أدب عصمت شاهين دوسكي
كيف نحلم بالتطور والتغير ونحن نقتل الحرف والكلمة ونهمش الحب والجمال ولا نبالي بالسمو والإبداع ؟
دوما لا يصح إلا الصحيح ابتلت الشعوب العربية و الإسلامية بالذات بالفكر الضلالي و الأحادي الجانب ، حينما نتصفح كتب الماضي و الأبيات. من الشعر الغزلي و على مر الزمن و لحقب زمنيه متسلسلة منذ أن خلق الله البشر ، هناك صراع وبحث عن الجمال و المرأة والرقة والإحساس ، تتجلى في مجالس الأمراء و السلاطين هناك دوماً بريق الجواري أي النساء و أثناء تصفح حياة الميسورين و الأمراء والسلاطين و الحكام سنرى. موضوع المرأة هو الطاغي حتى خلال الوشايات و القتل و التآمر غالباً تكون المرأة هي الموضوع بين الطرفين و المكائد أي أن المرأة مطلوبة في حياة العظماء و الأدنى منهم ، ولكن المهم من يجرأ التطرق إليه بصورة جماليه وإنسانيه و بدون تحفظ أو خوف أو تملق ؟. نرى قلة قليلة من المبدعين من الذين أنصفوا هذا النصف الحيوي من التكامل والتكافؤ في كل أمر لتستقر الأمور لم يجرأ إلا قلة قليلة و حسب ما أمكن من الاطلاع على ما كتبوه بشكل منصف تكون الدكتورة المنصفة نوال السعداوي ومن بعدها المرحوم الشاعر نزار قباني ولحق وأبدع شاعرنا المبدع عصمت شاهين الدوسكي وقد نقول قد تجاوزهم وجدانياً و بصورة محببة و من دون حجاب ليخفي خوالج النفس و لينطلق إلى الخيال و الوصف اللا نهائي و بصورة إنسانية لذيذة نحبهم ونرغب بهم ولكن نكابر ولا ننطق بكلمة الحق لتستقيم الأمور ، الشاعر عصمت شاهين الدوسكي الذي يلهمنا ويسافر بنا إلى دنيا المحبة و الخيال والتسامح والسلام بمضمون ما تحتويه قصائده من أمور تخص كل ذواق أصيل ،
المشكلة إن المرء قد ترك الأمور الجوهرية التي تخص كيان كل منا وأصبح همنا البحث عن أشياء قد تكون بالمرتبة الخامسة أو أكثر، تمر الأيام و اللحظات من دون أن يحس بها وحين يتم التذوق ووصول الفكرة للشخص أكان ذكراً أم أنثى. تكون النعمة زائلة من حيث الاقتدار و الصحة و لبقية من العمر للتنعم بها
الشاعر العاشق ينبأ و يجهد و قد نقرأ جزيئات مما يكتب
ونكون في غفلة من أمرنا ، من رؤى قصيدته ” نسيت إنكم لا تقرؤون ” يتجلى للواقع الذي خلف الجهل والدمار والخراب والمعاناة واليتامى والأرامل والثكالى واوجد صور المرأة المغتصبة والمعذبة والمهاجرة خلال لظى التشريد والتهجير يناديها كأنه يواسيها بأسلوب سهل ممتع يلمس الروح والقلب والإحساس .
(( سيدتي عذرا ، لا تسألي
ابقي مهاجرة
نسيت إنهم لا يصغون
لا يتغيرون
نسيت أنهم لا يقرؤون )) .
تعتبر قصيدة ” نسيت إنكم لا تقرؤون ” من القصائد التي جمعت صورة المرأة في الأزمات والوطن الجريح ومضامينها تقدم حلولا فكرية للتغير للأسمى والارتقاء بعنفوان الإنسان بدلا من تدهوره في ظل الجهل والفساد وإقحامه عمدا في الحروب والأزمات التي لا زمن واضح ولا حل ولا بديل لها ،
عوًدنا شاعر المرأة والوطن عصمت الدوسكي منصفاً بقلمه وبكل الصور الواقعية ما يكتبه من زوايا معينه ليكشف للعالم المتناقضات التي تدهور الحب والجمال والفكر والإبداع ، أشعاره و كتاباته المتنوعة خلقت جو من التفاعل الايجابي في الأوساط الثقافية في محافظة دهوك بالذات وبقية المحافظات و ربما تجاوز حدود الدول العربية والعالمية . وغزا مناطق بعيده بإبداعه الشعري و ما يطرحه من أفكار متجددة ومن صور إنسانيه تهم المرء وتنفس عن احتقاناته وتترك له فسحة من الأمل ليعود إلى نفسه ويتذكر الماضي و الحاضر .
حسب ما اشعر شخصيا ، تواجده بيننا نعمة فضيلة لمحبي الشعر والنقد والرواية ، أي اشبع فضولنا لما حرمنا منه ، جرأته حقيقية نابعة من صميم الواقع ، والتعمق في سبر الخبايا الإنسانية و التي يتمناها كل ناضج في حد ذاته إحساس وجمال وإبداع ،
مع ظهور الشاعر عصمت شاهين الدوسكي اعتبره متمما لما بدء به الشاعر الكبير المرحوم نزار
حيث اخذ على عاتقه أن يكون العطر لكل جميل ، والمسك لكل رائحة نشمها ، ورونقاً يشع في نفوسنا بعد أن اجتاحت المجتمعات الشرق أوسطيه الكثير من صور النفاق و التخلف والإجرام بحق المرأة و محاولة إحياء عصر الجواري و أسواق النخاسة بعد أن انعم الله على البشر بالعقل و البصيرة .
حيث كان و ما زال تواجد أمير العشاق الشاعر عصمت الدوسكي بيننا و في هذه الفترة العصيبة صحوة رومانسية وصورة ثورية تجسد المحبة والجمال والسلام ، ففي قصيدة ” لا أكتب لك ” من خلال العنوان نحس انه ضد المرأة ، لكن بعد قراءة النص بصورة تأويلية فكرية عميقة نرى يجسد بحالة نفسية صورة امرأة داخل امرأة ، وهذا ليس بالسهل على الشاعر أن يبحر مع امرأة داخل امرأة .
(( لا اكتب لك
بل لامرأة فيك كالبحار
تمتد أمواجها المتمردة العاشقة
وتحطم الأسوار
شواطؤها أقدار مجهولة
في ذاتها تبحث عن الأقدار
تسافر من غربة لغربة
ما زالت تبحث عن الأسفار
قد يكون لقاؤنا حلما ، ملحمة
أسطورة أشعار
عذرا يا سيدتي المسافرة
لا أقيد إحساسي
فهو حرٌ من زمن الأحرار )) .
رغم إن الشاعر عصمت الدوسكي يعيش في عزلة بعد قصف بيته في الموصل وتركه أطلالا وركاما ولجوئه إلى دهوك ما زال بلا عمل ، في حالة من الضنك والعيش مع أسرته كأنه منفي بلا نفي بين جدران أربعة ، أسأل الجميع يا ترى أين حقوق المثقفين والكتاب و الشعراء ؟. لماذا هذا التهميش ؟ لماذا لا يأخذون دورهم في التغير والتطور والتقدم والإبداع ؟ لماذا عدم الاهتمام بهم وزيادة معاناتهم الأسرية و الاجتماعية ؟ خاصة الكاتب يجب توفير الأجواء المناسبة له للكتابة والإبداع على أقل تقدير ، كيف نحلم بالتطور والتغير نحو السمو والارتقاء ونحن نقتل الحرف والكلمة ونهمش الحب والجمال ولا نبالي بالرقي والإبداع ؟ كيف نواكب التطور الفكري والاجتماعي ونحن نهمش المفكرين والشعراء والعلماء ؟ أين العدل في هذا ، في حق الأرض والإنسانية عامة ؟ ورغم هذا الصراع الفكري والحرمان والضنك المعيشي يبحر بنا الشاعر الدوسكي. إلى موقع الخلوة التي يتمناها أي عاقل أن يتنعم بإحساس وخيال خلاق وتبصر للجمال والدلال واخذ استراحة الفرسان في زمن طغت الأشياء المادية و ضغط وشدة الحياة العصرية على تحركاتنا و انفعالاتنا و حتى نفسيتنا انه الصراع الغير منتهي. ولكن مدمر لذات النفس وبعد أن تمر السنين يجد المرء نفسه وحيدا محبطاً بلا مشاعر بلا أمل بلا تنعم ، تذوي وقت الطاقة واللذة كما انعم الله بها على العباد .
إن ما يشير إليه الشاعر عصمت شاهين الدوسكي
تنبيه لنا وربما لكل قلب وشخص سليم. للأمور المادية الواهنة ، ليست هي كل الأمور في حياتنا بل يجب إعطاء للروح الحقيقية مجالا أوسع والأحاسيس والعلاقات العامة حيّز ما لتذوق ما أبدع به الرحمن للطرفين في هذا الكون ووعيه تجاه صورة المرأة ودورها المهم في المجتمع والحياة وكذلك الرجل دوره في تكملة دورة الإنسانية ، من منا لم تهزه كلمة إعجاب أو عبارة تتعلق بمحاسن ما كالشعر والعيون والخدود والقامة والكرم وأوصاف أخرى متعددة
دوماً يتألق الدوسكي بين الحلم والواقع ، الخيال واللا خيال بجرأة شعرية فكرية بما يذكره و يبصره. نحن بعجالة من أمرنا لا نرى و لا نحي إلا بها ويبقى الشوق في نفوسنا .
ففي قصيدة ” دعي سحر النظرات ” يدخل عوالم الوصف والرمز ليقول :
(( في عينيك يتجلى حرماني
وعلى خديك أرنو لمكاني
والملم شعرك خيمة
أكون عاريا، حراَ
لا أتعب ، في شفتيك هذياني )) .
يا ترى لما لا يذوب وينتهي بجنون حينما تفعل كل الشجون لوعة واشتياقا ونارا ، كلماته تذيب جليد السنين ، يعيد لإحساسه حرارة ما فات من سنين ،يعودنا برفق ولين وحب بفنون قلمه الذي غزا قلوب العذارى وما فاتهم ذلك الإحساس الخلاق من وحي قلمه السحري نبض وحرف تسطره ليخرج إلينا شعرا وإحساسا نعانقه ونتوه في تأمله .
هناك كنوز مفقودة و لكن هناك منقبين دوماً ،عن حلقات لم ترى النور وأناس لم يعرفوا وآخرين مهمشين ،آن الأوان للاهتمام بالمثقفين و الأدباء ممن بقوا خارج دائرة الضوء ، كفى ترك الساحة للمنافقين وميليشيا الثقافة المقيدة ومن يبحثون عن الحضوة و التملق و العزف في قرب مخرومة للتواصل مع الشياطين و أعداء التطور ، المفكرين و الأدباء والعلماء والفنانين شموع لإنارة كل ركن مظلم في ربيع الأرض والإنسان .
فحينما يولد يوم جديد تتجدد الأحلام و تعاد الذكريات و يغوص المرء بالتخيلات ، فكم ذكرى تفرح أو تبكي أو يتمنى المرء بالمسرات أن تتجدد من جديد ،أصبحت الأمور لبعض الناس لباس جديد أو بذخ بالأكل و الغناء و التمايل على أنغام المزامير
ولكن هناك من بلا سند أو بيت يجمعهم يحميهم وهناك من تسبب بكل هذه الآلام. يخطب و يزمجر و يهدد على انه أصبح الفاتح لأمجاد لا تمجد و تشرف من قام بها في وقتها فقد أراق الدماء الطاهرة لنزوة أو خيال مريض وزال كمداس تقطع من كثرة اللبس و حذف في مزابل التاريخ ، إن الله ليس بحاجة إلى شياطين يتحدثون باسمه كونه أعظم منهم جميعا ، وستكون الآخرة السيئة لهم مثل هولاكو و هتلر وموسيليني وفاسدين آخرين من بني الشيطان اللعين حيث فقدوا الشرف و الذكرى الخالدة . يتجلى معنى التضاد في قصيدة ” نوروز وآذار حينما يذكر بأسلوبه الراقي .
(( آه وآه .. نوروز
تعب الكلام من الكلام
تعبت الجراح من الأوهام
والشكوى لرب العالمين
أما أنت يا آذار
شتان بين آذار والنار
لكن بينهما نجد مفلسين
الرحمة على الغرباء
والراحلين والبؤساء
والرحمة على الماء والطين )) .
هيهات لمن شرب من نبع العشق أن يرتوي ربما حرمان وفراق و دموع و آهات تلاحق المرأة. في أنصاف الليالي وتقلب على الفراش وتخيل مواقف متنوعة قد تكون مضحكة أو مؤلمة كانت ولكن الذكريات و الكلمات المميزة تفرض نفسها حينما يجد الجد ويدخل الأمير بساحة المنازلة ، تهرب الحروف و الكلمات من التفكير لكون لا زلت محلقا في سماءه وعطر كلماته أي نعمة هبطت من السماء وحليت بين الديار كشموخ الجبل مقابل كل الغرباء عن المرأة والوطن والحب والجمال ، عندما تحطم كل أغلال الجهل والفساد بصورك الشعرية وعندما تكسر قيود المرأة الحقيقة التي تكون نبع الحضارة الإنسانية وديمومتها تطمئن ونطمئن وتعود هي كما هي و ترجع الأشواق وتحلى الأمسيات المفعمة بالأمان والسلام . رغم الوجع في قصيدة ” وجع امرأة ” إلا إنه وجع انثوي ناضج بالحب والحياة .
(( وجعك أيقظ خفية وجعي ..
فهل تدرك سالت أدمعي ….؟
شوقي لهيب احرق جفني
وبح ندائي فهل تسمعي ….؟
من كأس خمري أسقيك
وإن كان في شفتيك مصرعي )) .
أية كلمات خطت و نقشت على القلب ونطقت بها الشفاه وعبرت عنها ايماءات العيون في جلسات سرقت من خلالها نضرات
وإيحاءات عشق وممنوعات لا زالت تسري في تخاريف دهاليز عقول لا ترى النور و تود العيش بالظلام .
هكذا تعددت صورة المرأة في قصائد عصمت شاهين الدوسكي ليخلق ملحمة شعرية خالدة ترسم للزمن والأجيال تاريخ حضارة متجددة رغم كل الآلام والأزمات .