عبدُ الامير الطويرجاوي 1895ـ1970م، هو أحد المبدعين والمتألقين في مجال الغناء بين انغام المقام العراقي والاطوار الريفية، مثل الحياوي والصبي والمثكل والملائي والعنيسي الذي عرف به (الطويرجاوي) يصفه في هذا المجال الناقد يحيى ادريس قائلا: (يغني ابياتا من الشعر من مقام الاوج لينتقل إلى الابوذية من المقام نفسه في طور العنيسي الشيء نفسه يفعله في طور العياش والصبا والحجاز..) هكذا كان يتميز، بصوت قوي يجمع بين الرخامة والانغام الشجية ذات النكهة والروحية العراقية والنفس الطويل في قراراته وجواباته الصافية، تفرد بلون وبطابع خاص لكونه يمتلك قدرات أدائية ولحنية مكنت له ان يقف في ريادة فناني مطربي الريف ،فالطويرجاوي، فنان مدهش وشاعر مؤثر وذو صوت يمتلك مقوماته الفنية، وشخصية يعتز بها (الفن التراثي) هذا ما وصفه مطرب العراق الاول (القبانجي) عندما سئل عنه في احد لقاءاته عام 1980م.
لقد اثرى الطويرجاوي ساحة الغناء بعشرات الأغاني المقامية والريفية، فكان بارعا جدا فيها وخاصة في الانغام مثل الدشت والرست والحجاز والصبا والبيات والبنجكاه والسيكاه والجهار كار والاوج والحسيني.. وغيرها فضلا عن انه كان ملحنا فترك لنا أجمل وأروع الالحان في الاغاني التراثية الجميلة، منها لحن المربع البغدادي مع الآلات الموسيقية، الذي تمثل في أغنيته الجميلة (جم وجم عكول بالشامة خذت) وفي أغنية (شنهو الراي دليني) وغيرها من الأغاني الرائعة.وتجدر الإشارة إلى انه من اوائل المطربين الذين غنوا في دار الإذاعة عند تأسيسها عام 1936م اذ قدم الطويرجاوي حفلات غنائية كثيرة على الهواء مباشره أسوة بزملائه، داخل حسن و حضيري ابو عزيز و ناصر حكيم، لم يغنِ في التلفاز العراقي سوى مرة واحدة فقط عند تأسيسه عام 1963م.كان الطويرجاوي بحق رجلا وطنيا معروفا بوطنيته فكانت المحافل السياسية في تلك الهيئة تشهد له بذلك منها مشاركته الفعلية في ثورة العشرين المجيدة، عندما كان يشد من عزيمة الثوار بأهازيجه الشعرية المثيرة ضد الاستعمار البريطاني، وكذلك مشاركته في ثورة 1941م فقد لاقى من الحكومات الرجعية المبادة ما لاقى من تعسف واعتقال حتى حكم عليه بالإعدام غيابيا لمساندته تلك الثورة بالأناشيد الوطنية التي كان يؤديها وهو يهاجم الاستعمار وأذنابه الرجعية. لم يلق القبض عليه بسبب اختفائه حتى بزوغ ثورة تموز المجيدة عام 1958م عاد ليزاول نشاطه الفني مع اشهر المطربين الريفيين، وهم كل من شخير سلطان ومسعود العمارتلي وخضير حسن وناصر حكيم وحضيري ابو عزيز.. حتى سجل معهم الكثير من الاسطوانات الغنائية لحساب شركات التسجيل آنذاك، وما تزال تباع اشرطته في محلات التسجيل في بغداد كافة، لأن هذه التركة الفنية ستبقى خالدة في ذاكرة الاجيال تتوارثها جيلا بعد جيل.ولد عبدالامير بن كاظم بن حمادي الطويرجاوي في قضاء طويريج في محافظة بابل. ولمدينة طويريج تاريخ حافل في ميدان الغناء الريفي, مما ساعد الفتى عبد الامير على التعرف على اساتذة الغناء وهو في العاشرة من عمره. وفي عام 1915 بدأ الغناء خاصة في المواليد ومواسم التعزية. ابتكر طوره الخاص به وسمي بطور الطويرجاوي وهو يختلف عن الاطوار الاخرى من حيث درجاته النغمية ويتميز هذا الطور بانه ينسجم مع طقوس المنبر وليالي السمر معاً. وكان الطويرجاوي من اوائل المغنين في اذاعة بغداد حين افتتحت عام 1936. وقد لقب بأمير الغناء الريفي كان للمطرب والشاعر الطويرجاوي خبرة واسعة بأصول المقامات التي تمرس في ادائها, ويمتلك حنجرة ذات قابليات كبيرة ساعدته في ان يحتل وبجدارة امارة الغناء الريفي لفترة طويلة من الزمن حتى اصبح مدرسة بحد ذاته يدرس ويتعلم منها معاصريه وكذلك الاجيال اللاحقة من مطربي الاغنية الريفية.وللطويرجاوي الفضل في ان يكون أول من عرف المدينة بالابوذية، واول فنان ريفي يقرأ المواليد مع المطربين الكبيرين محمد القبانجي والمطرب يوسف عمر. وبذلك يعد من أعلام الشعر الشعبي والغناء العراقي وكان رحمه الله دائم الحضور في مجالس الأدباء والمثقفين ، كان له دور أيضا في دعم حركة مايس/1941 ضد المحتل الإنجليزي من خلال الأغاني التي تبث روح الحماسة عند العراقيين,وحكم عليه بالإعدام لاشتراكه بتلك الحركة, ولكنه تمكن من الاختباء بين محبيه وأهله. يعد مرجعاً في أشكال الغناء العراقي ، بخاصه الأبوذيه الجنوبية. عرفت طريقته نسبة اليه ” الطويرجاوي” وقد أخذ بعض المطربين وقراء المناقب النبوية طريقته في الأداء.ظل هذا الفنان دائم العطاء وقد سافر خارج العراق لتسجيل بعض الأسطوانات. رحل عن عالمنا في تموز عام 1970