مجـيـد العـانـي .. مطـرب مقـام مـن الطـراز الأول
ولدَ في بغداد ربيع عام 1927 في “بني سعيد” إحدى محلات بغداد القديمة وكان أبوه الوجيه السيد فليح من أثرياء بغداد ووجهائها ويعمل بالمقاولات ويعد من أفضل معماري بغداد في زمنه وكان يلقب بالاسطة, اكمل دراسته الابتدائية والثانوية ولولعه بالموسيقى والفن التحق بمعهد الفنون الجميلة قسم الموسيقى مختصاً بالة الناي وتخرج منه بتفوق وكان يملك صوتا شجيا لا يسلى, ورث حب المقام والموسيقى من خاله المقرئ فليح ايوب العاني فقد كان من قراء المقام المتمكنين, فاخذ منه الصوت الجميل والحس الفني, تعلم قراءة المقام والتهليلة والتمجيد واصبح قارئ مقام أصولي لا يقبل اخذ اي اجور لقاء قراءته ولا يقبل قراءة البسته, أسس المقهى البغدادي في المتحف العراقي وأسس مع اصدقائه بيت المقام العراقي وتبرع لأنشائه بمبلغ قدرة 5000 خمسة ألاف دينار عراقي سنة 1985 وهو عضو مؤسس لنقابة الفنانين العراقية ممثلاً لقطاع الموسيقى, شارك في عدة برامج على شاشة التلفزيون والاذاعة كمقدم او معلق او قارئ مع زملاء الصبا هاشم الرجب ويوسف عمر, واقدم برامجه كان اذاعيا مع يوسف عمر قارئ للمقام وهو معلقا عليه وله برامج اخرى كثيرة منها سهرة مع المقام وعلى ضفاف التراث مع يحيى ادريس وغيرها, أول من عرب المقام وابدل الكلمات الاعجمية المستخدمة باخرى عربية وقرأ الكثير من المقامات باللغة العربية بدل عن الاشعار التركية والفارسية واول من قرأ مقام الحجاز باللغة العربية وسجله في الاذاعة العراقية عام 1958, كان يحضر مجالس الذكر والتهليلة في جامع الشيخ عبد القادر كل جمعة حتى اعتزل عام 1998. كان معروفا بكرمه الشديد وبدماثة خلقة ولطافته وحسن معشره ولين طرفه وحبه للمزاح والمقالب وقد كان رحمه الله خطيبا مفوها قوي الشخصية مهابا وله مكانة بين الناس ومحبوبا اينما حل, ايضا كانت له هواية كتابة الشعر بالعامية والفصحى ويحفظ الشعر عند سماعه لأول مرة ويجيد ثلاث لغات الانكليزية والتركية والفارسية بالإضافة الى اللغة الام العربية وشيء من الهندية. شارك مع فرق يوسف بك وهبي عندما زارت بغداد في الخمسينيات وشارك ولده الرضيع لؤي عندما احتاجت الفرقة الى طفل مع امينة رزق سميحة ايوب شادية شكري سرحان محمد توفيق, هو من قال له القبانجي قولته المشهور “التفت لشغلك المقام ميكول خبز” ويوسف عمر قال له عندما عاتبه العاني على سبب الجفاوة والخصومة بينهما بعد ان استمرت فترة “ابو لؤي انا احبك لكن عدو المرء من يعمل بعمله” وكتب يحيى ادريس بحقه “مدرستين مقاميتين وظاهرتين شامختين افادت المقام ولم تستفد منه ولم تسترزق القبانجي والعاني” والقارئ حامد السعدي “رحم الله ابى لؤي كان غيوراً على المقام محبا حريصا عليه كأحد اولاده” , والقارئ طه غريب “رحمه الله كان فنانا اصيلا وملتزما ومتمكنا وهو من ادخلني حلقة الذكر والتهليلة في مقام الشيخ عبدالقادر الكيلاني قدس”, كتب الكثير من الكتاب والادباء والصحفيين عدة مقالات عنه حوارات نشرت في جرائد حكومية مثل الجمهورية والثورة وبابل والزمان والمشرق ووصفوه بالالتزام والخلق والاداء الرفيع الاصولي للمقام حيث كان يهوى المقامات الصعبة والتي تحتاج الى تمكن وخبرة وصوت قوي وارتقاء طبقات عالية. جمعته علاقة وطيدة بالكثير من الفنانين والادباء والسياسيين المرموقين أبرزهم حقي الشبلي وليد الاعظمي والشيوخ عبد القادر الخطيب ونجم الدين الواعظ جلال الحنفي والملا علي حسن والطيار محمد القبانجي طه سالم يوسف العاني يوسف عمر محمد القيسي عبد السلام عارف واخوته صالح
مهدي عماش وكان ظيفا دائما في مجالس الادب والفن مثل مجلس شرقية الراوي والخ وكان يقيم مجلسا اسبوعياً في داره وشبه يومي في معمل النجارة بالأعظمية الى ان توفاه الله , نشر الشاعر نعمان الكنعاني في ديوانه الصادر في الثمانينات وكان بعنوان (مختارات الكنعاني) قصيدة بحقه كان قد ارتجلها خلال حفل في نادي الضباط وكانت قصيدة طويلة. حبه للفن لم ينسه التفوق في العمل فقد برع في النجارة والعمارة وأبدع حتى صار أحد اساطين بغداد ومن منجزاته التي لا زالت شامخة منارة الامام الاعظم حيث بناها ثلاث اشخاص فقط هو وابوه الاسطى السيد فليح وولده الاكبر لؤي. كان يعشق السياسة والعمل العام فقد كان يملك حسا وطنيا عاليا جدا واحساسا بالمسؤولية تجاه قضايا بلده وشعبه وقضايا الامة العربية فلم يكن يتأخر عن اي واجب وطني, كان ضد سياسة المُمالأةً للاستعمار حيث يرى ان المواجهة هي الحل وليس المهادنة وسياسة التبعية وقد اعتقل وقضى فترات طويلة في المعتقلات وتم توقيفة عدة مرات منذ 1940 الى 1958 وكذلك بعد تأسيس الجمهورية العراقية في عهد عبد الكريم قاسم فقد كان قومي الفكر عروبي التوجه وفيه نزق الثوار, اصبح في عهد عبد السلام عارف عضوا في الاتحاد الاشتراكي “البرلمان” بترشيح مباشر من قبل رئيس الجمهورية مع اربعة اشخاص كممثلين للرئيس في الاتحاد وقد قدم استقالته بعد فترة لرفضه الاشتراك مع الشيوعيين في نفس المجلس كون هذا مخالفا لتوجهاته وأراءه “تجمعه وعبدالسلام علاقة تعود للأربعينيات وكان واحدا من ثلاثة قاموا بتغسيله وتكفينه” . بعد تسلم حزب البعث للسلطة اعتقل في عام 1968 وأودع قصر النهاية تحت اشراف مدير الامن العالم في وقتها وجزار الحزب ناظم كزار وقد حكم عليه بمصادرة امواله وبالإعدام شنقاً وبقي معتقلاً الى نهاية عام 1970 وقد أفرج عنه وعفي من حكم الاعدام لأسباب صحية بعد خروجه ترك السياسة واتجه الى الفن والعمل كما أسلفنا.