حملة لوقف تزوير وقرصنة الكتب في العراق
انطلقتْ في بغداد حملة عربية واسعة النطاق لمكافحة تزوير الكتاب وامتدت إلى سوريا ولبنان والمغرب العربي، بأمل أن تساهم مساهمة فعالة كل دور النشر العربية واتحاد الناشرين العرب لوقف هذه الظاهرة الخطيرة ومكافحتها بشتى الطرق والسبل لتفويت الفرص على قراصنة الكتب، الذين شوّهوا سمعة الكتاب العربي ودور النشر الرصينة، وهي المتضرر الأكبر من هذا التسويق غير القانوني. أكثر من شعار ويافطة رفعتهما دور النشر العراقية الجادّة في مواجهة جماعات تحترف تزوير الكتاب العربي وتسيء إلى سمعة الثقافة العراقية وليس أقلها “من أجل ثقافة لا تعرف التدنيس من خلال تزوير شكل ومحتوى الكتاب هذه دعوة حضارية جادة للوقوف والتصدي لمدمّري الثقافة والوعي من المزوّرِين الذين يمارسون الإرهاب الثقافي بتشويه الكتاب العربي واستنساخه من دون وجه حق بطريقة السطو على إبداعات الآخرين، صوتكم وكلماتكم واحتجاجاتكم من أجل الكتاب الحقيقي”. تنطلق الحملة من بغداد ومعها أسبابها الموجبة؛ حيث تواجه دور النشر العراقية سمعة سيئة بسبب قراصنة الاستنساخ، مما حجب الثقة عنها في المعارض العربية والدولية، إذ رفضت الكثير من دور النشر العربية التعامل مع دور النشر العراقية بسبب التزوير والقرصنة التي تنال من الإصدار العربي، حيث تجدها مستنسخة ومزورة تملأ شارع المتنبي وبعض المناطق الكتبية في محافظات العراق بشكل أصبحت ظاهرة مَرَضية تمارسها الكثير من دور النشر الهامشية والمكتبات النفعية التي لا تقيم للثقافة المبدعة وزنا ولا يهمها غير الربح السريع على حساب المؤلفين ودور النشر الجدية. حيثيات هذه الحملة لها جذور تعود لسنوات التسعينات من القرن الماضي حينما أطبق الحصار الاقتصادي على العراق إطباقا شاملا، ومن ضمنه كان حصار الثقافة التي احتجبت سنوات طويلة مُنع فيها وصول الكتاب العربي والأجنبي إلى العراق، فشاعت فكرة استنساخ الكتب وتوزيعها بأسعار مناسبة، تلك التي ترد من منافذ دولية قريبة كالأردن وسوريا، واستمرت الحال سنوات صعبة ولأكثر من عقد، فارتزق بها بعض الكتبيين وصار الكتاب المعرفي النوعي هو الهاجس الذي يبحث عنه الجميع، وحينما تحولت الحالة السياسية عام 2003 وانفتحت الآفاق الثقافية على نحوٍ غير مسبوق بقي ضعاف النفوس من مرتزقة الكتاب يمارسون عملية السطو والقرصنة بطريقة واضحة ومكشوفة لأي كتاب عربي جديد يصدر، مما شكّل أعباء مادية ومعنوية على دور النشر العربية التي ظلت تتحفظ من التعامل مع السوق الثقافي العراقي، فأوجد هذا الحذر الكثير من المتاعب مع دور النشر الأصيلة التي تحاول بجهود فردية أن تحصّن نفسها من هذا الوباء الذي تديره شبكات ومطابع أهلية لا رقابة عليها. دور النشر العراقية التي يُعتمد على ولائها للكتاب الحقيقي غير الهجين رفعت شعارات كثيرة وقادت حملة واسعة بين دور النشر العراقية والعربية من أجل حماية الكتاب العربي الداخل إلى العراق بالتنسيق مع مديرية الأمن الاقتصادي في وزارة الداخلية، بأمل صدور تشريعات جديدة على أصحاب المطابع والمقرصنين ومرتزقة الكتاب الذين استغلوا هذا الانفتاح الثقافي مثلما استغلوا ضعف الرقابة الوطنية وانشغال الحكومة بمواضيع أمنية حساسة. كما عمدت هذه الحملة بطريقة مباشرة إلى تنوير القارئ العراقي بخلاصات الكتاب المزوّر وكيفية معرفته بين أكداس الكتب التي تملأ شارع المتنبي، على سبيل المثال منها أن سعر الكتاب بسيط ومغر للشراء مهما كانت أهميته العلمية والأدبية، وأن الكثير من الكتب المزورة تحتوي على صفحات بيضاء، ومن أجل تقليل كلفتها يتم حذف المصادر والهوامش من نهاية الكتاب لتقليل كلفة الاستنساخ، كما أن الكتاب المزور له عمر محدد ولا يعمّر طويلا، وأحيانا تجد الكتاب المزوّر بأكثر من طبعة وأغلفة مختلفة وأن نوعية الورق رديئة جدا ورخيصة، كما أنّ اللاصق الحراري للكتب يكون ضعيفا جدا مما يؤدي إلى عدم تماسك الورق والغلاف. مثل هذا التنوير المباشر للقارئ العراقي تحتاجه دور النشر العربية لقرّائها في مصر وسوريا ولبنان والمغرب لبيان وتأشير الجريمة الثقافية التي تطول الكتاب والناشر ومن ثم المؤلف، الذي تُهدَر حقوقه المادية والاعتبارية بنزوات الكتبيين الباحثين عن الأرباح السريعة على حساب الذوق الثقافي العام وجماعات المطابع الأهلية الذين وجدوا في هذا تجارة رائجة على حساب كل شيء أصيل.