مسعــودة العمارتلي .. المطربــة الميسانيــة التي تحولت في بغداد الى مسعود العمارتلي!
تضجّ المدينة الجنوبية، العمارة، جنوبي العراق بغرائب سحرها عندما تصنعها خليقة دجلة الغافي على اجفان بيوتها المتسربلة بين افياء بساتين النخل حلما سومريا لأشجان ميسان القديمة ، وللغناء فيها طعم العسل الذي يقطر من شفتي فم المدينة وهي تمد نعاس لياليها على أرائك النهر وليس للعمارة إن تكون مدينة تتحدى أزمنة القساة والجوع وضريبة المذهب والطبيعة المجتمعية المميزة في صوت اللهجة والتقاليد ، فها هو الموال والأبوذية يوشم خد المدينة بأساطير النغم ، وربما مسعود العمارتلي وقصته وشهرته تمثل إحدى غرائب ودهشة وجود المدينة في بحثها الأبدي عن أزل الموسيقى الذي يعود بجذوره الى قيثارات الذهب التي وجدها متناثرة بين حناجر الألواح وجدران المعابد ومسلات الملوك.
وقصة الأسطورة الغنائية (الأنثى، الذكر) يعرفها الجميع وظهرت في مسلسل تلفزيوني جسد دور مسعود فيه الفنان سعدون جابر(نعيم عبد مهلهل).
مسعود العمارتلي، أو مسعودة العمارتلي اختلف في تاريخ ولادتها قيل انها ولدت عام 1901 أو 1898، في محافظة “العمارة” / “ميسان” في ناحية الكحلاء ” الجحلة”. ومنذ طفولتها عشقت الغناء، وكانت تحفظ وتؤدي الأبوذية والبستات الريفية.
مسعودة تتحول إلى مسعود
كانت مسعودة تعمل خادمة في بيوت أحد الشيوخ، وكانت مهمتها رعاية الغنم، فكانت تخرج لرعي الغنم الفجر وتردد ما تحفظه من أغاني وبستات وأبوذيات أثناء خروجها للرعي، وفي أحد الأيام تبعها شابان للتحرش بها، وكانت وقتذاك في الثامنة عشر من عمرها، فتصدت لهما وربطتهما ثم قادتهما لصاحب البيت، وحينها اعترف الشابان ونشرا فيما بعد أنها تملك صوتاً جميلاً، كانت مسعودة شابه نحيلة الجسم سمراء، قوية البنية والملامح، وقد أشاد الناس بشجاعتها منذ ذاك الحادث، فاستغلت اشادتهم وأعلنت عن صفاتها الرجولية وخلعت عنها ثوب الأنوثة فصارت ترتدي زي الرجال (العقال واليشماغ)، ومنذ ذلك الحين أصبحت شهرتها واسعة في العمارة وصارت تغني في مناسبات تلك القرية، هربت بعدها إلى مدينة “العمارة” بتشجيع من شقيقتها، مرتديةً زي الرجال لتغني في المدينة ومقاهيها. ومن ذلك الوقت عرفت باسم مسعود العمارتلي ووصلت شهرتها أرجاء العراق كمطرب ريفي ذي صوت شجي من دون أن تثير الشكوك.
مسعود يرتحل الى بغداد
سمعَ فيما بعد بصوته أحد أصحاب التسجيلات أثناء حفلة لاحد الشيوخ فاعجبه صوت مسعود فأخذه معه إلى بغداد وسجل عدة اسطوانات، وفي بغداد كانت داره ملتقى هواة الغناء وقد تعرف على حضيري أبو عزيز القادم إلى بغداد من الناصرية وغنى معه اغاني عدة. استدعى إلى حلب وسجل اسطوانات هناك.
مسعود والتلحين
لم يلحن له أحد بل كان هو يلحن اغانيه المستمدة من الريف ومن اغانيه المسجلة على اسطوانات (سوده شلهاني) و(ذبي العباية) و(خدري الجاي خدري) و(بوية محمد) و(كصة المودة) وله الكثير من الأغاني غيرها التي لم تحفظ لأنها كانت تذاع حية حيث لا توجد أجهزة للتسجيل ومكاتب التسجيل.