مدارات حرة :نماذج من تاريخنا !
يَتفق أهل الإسلام بمذاهبهم وطوائفهم على عدالة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، فأنصفوه تاريخياً وهو استثناء – لدى بعض المسلمين – بين خلفاء بني أمية.. ولأنه عادل ومستقيم في السيرة والحكم فلم يمكث في الحكم والخلافة إلا 600 يوم بينما مكث بعض الذين جاؤوا من قبله أو من بعده عقدين من السنين وربما أكثر، ولم يتصفوا بـ10% من عدالته ونزاهته واستقامته!.
في تاريخنا كثير من أمثال عمر بن عبد العزيز، وهناك أسماء لامعة في تاريخنا السياسي الحديث، كانوا على مستوى راقٍ من النزاهة والعفة والعدل والتسامح، ربما يقف في مقدمتهم الرئيس العراقي الأسبق المغفور له الفريق عبد الرحمن محمد عارف، الذي حكم لسنتين من دون إراقة قطرة دم واحدة، وخلت سجونه من المعتقلين السياسيين، بالطبع وعندما تآمر عليه عارف عبد الرزاق وشلته من الضباط القوميين الناصريين أطلق سراحهم وعفا عنهم كما أطلق سراح جميع البعثيين الذين تم توقيفهم في عهد شقيقه الرئيس الراحل عبد السلام عارف وكان أحمد حسن البكر هو الوسيط بين حزب البعث والقصر الجمهوري للوساطة لدى الفريق عبد الرحمن لإطلاق سراح (رفاقه) ولكن الرجل أي عارف ما كان يشك مقدار ذرة في إخلاص البكر له الذي كان يخطط لانقلاب ضده.. كان عبد الرحمن رجلاً بغدادياً (قحاً) عندما يثق بأحد لا تهتز ثقته مطلقاً ولهذا استغل أبناء الريف والقرى هذه الصفة البغدادية لعبد الرحمن وتآمروا عليه وقاموا بتسليم القصر الجمهوري للبكر مقابل رتبة ومنصب لا يساوي قشرة موز أمام قيم الوفاء والإخلاص وكلمة الشرف!.
في قبالة الصورة البيضاء ثمة صورة سوداء كالحة ظالمة مقرفة تتمثل بصنف الطغاة الكواسر والوحوش والقتلة الذين مرغوا ضمائرهم بالوحل من أجل العرش وكرسي الحكم وبعضهم كالحجاج كانوا (نعال) يلبسهم الخليفة ليمسح بهم معارضيه ولتنفيذ مآربه وإلى جانبه يصطف ولاة ظالمون ودستات كاملة من الظالمين الذين حكموا العراق قبل 1400 سنة أو في تاريخنا الحديث مع التحفظ على الأسماء لكي لا نثير حفيظة المعجبين بالطغاة والديكتاتوريين في زماننا الحاضر!.
الأنموذج المقبول هو نموذج عمر بن عبد العزيز وعبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف مع الفوارق الجوهرية بين الأول والآخرين ولكن القاسم المشترك هو النزاهة وعفة اليد ويبقى التاريخ يلفظ القتلة ووحوش السياسة والغادرين ويرميهم في سلة زبالته!.
مات قاسم وهو لا يملك بيتاً باسمه بل سكن بيتاً من بيوت اليهود المجمدة والمصادرة مقابل إيجار قدره 20 ديناراً وعاشت عائلة عبد السلام عارف بعد مقتله عام 1966 في بيت مؤجر بالمنصور حتى عام 1970عندما اشتروا بالقرض منزلاً في المنطقة نفسها بل وقيل لي أن كريمته الكبرى وفاء قابلت الرئيس الأسبق صدام عام 1990 وأهدته مسدس والدها مقابل سيارة سوبر.. وبرغم معاناة هذه العوائل الكريمة فأن البكر خفض راتب عبد السلام رئيس جمهورية سابق من 800 دينار إلى 250 ديناراً كراتب ضابط برتبة مشير ركن وخصص راتباً تقاعدياً للزعيم بعد تخفيض رتبته من فريق ركن إلى لواء ركن.. أما الفريق عبد الرحمن عارف فقد استلف 300 دينار من حردان التكريتي وهو في الطائرة عند تسفيره إلى لندن يوم الانقلاب في 17 تموز 1968على أن يدفعه له يوم 30 تموز وهو موعد دفع راتبه الشهري.
العدالة أن يخلد العادل في التاريخ.. والعدالة أن يبقى الناس يذكرون ويتذكرون العادل والنزيه والعفيف والمتسامح أنموذجاً راقياً في التاريخ.. ويبقى للحجاج وأمثاله من الظالمين والغادرين والقساة الوجه الأسود والكالح للحضارة والحكم والمدنية في عراق الأمس واليوم!.
روى لي قريب لأحمد حسن البكر أنه شاهد بعينيه البكر وهو يقوم بضرب نجله بعد أن رآه في داخل سيارة رئاسية عائداً بها من المدرسة وأن البكر صرخ به أن والده – أي البكر – ليس سوى موظف في الدولة بعنوان رئيس جمهورية ويقبض راتباً محدوداً فلا يجوز لأولاده أن يتصرفوا خارج هذا المنطق والسلوك!.
تذكرت هؤلاء الحكام العراقيين وأنا واقف على الرصيف أراقب رتلاً من سيارات الجكسارة تمرق أمامي وهي تمضي بسرعة البرق خلف سيارة من نفس النوع تحمل في داخلها نائباً في البرلمان!.
متى يستوعب اللاحقون من السابقين دروس التاريخ!.