مذكرات برزان التكريتي “ح1”
كتب برزان التكريتي الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ونقوم بنشر مقتطفات منها للإضاءة على بعض القضايا التي من الممكن أن تكون مبهمة للمواطن العربي في الحلقة الأولى نلقي الضوء على ملابسات زواج من رغد صدام حسين وعن موقف برزان وأشقائه، وكذلك عن علاقة برزان بعدنان خير الله وعائلة البكر.
في احد أيام شهر آب من سنة 1983 طلب الرئيس حضوري لتناول الغداء في بيته، فذهبتُ ووجدتُ الأخوة سبعاوي ووطبان هناك. وبعد حديث عام وبعد أن تناولنا طعام الغداء وجلسنا في الصالون نتناول الشاي، وإذا بالرئيس يقول إن الجماعة عمامنا يريدون يأتون لي ليطلبوا رغد لحسين كامل، لذلك طلبتكم لأسمع رأيكم،.. بعد ذلك بدأتُ أنا بالكلام بصيغة السؤال فقلتُ له هل تريد أن تخبرنا أو تريد رأينا؟ فرد قائلاً لا أريد رأيكم، واعتقد انه قال هذا بسبب ارتباكه وعدم ترتيب أفكاره ومفاجأته بسؤالي. فقلتُ بما أنك تريد رأينا فسوف أخبرك برأيي الذي هو على ما اعتقد رأي الإخوان كذلك. رأينا أن هذا الولد لا يصلح لنا كابن. فقال لماذا؟ فقلتُ لأن نفسه غير طيب علينا يحاول أن يزرع الخلاف والفرقة بيننا. قال هل تعرفني أنني من الرجال الذين يسهل التأثير عليهم؟ قلتُ إنك بالأخير إنسان، وعندما حسين كامل يتزوج من ابنتك سوف يكون مكانه على إحدى هذه المقاعد التي نجلس عليها، بل أكثر سوف يجلس معك يومياً أكثر من مرة، وتبدأ تسمع منه ثم تتأثر بما يقوله، لا سيما أنه خبيث وعجول على الحصول ما يريده.. قال إنك غلطان، قلتُ أتمنى ذلك؟ بعد ذلك تكلم الأخوان سبعاوي ووطبان بنفس الاتجاه، وعدتُ وقلتُ له أنا أخوك وسبعاوي يريد ابنتك لابنه، فقال لسبعاوي أرسل زوجتك لكي تتكلم مع البنت وأمها، فرديت دون أن انتظر سبعاوي يتكلم قائلاً: لا ترسل زوجتك لأن الموضوع هو تحت يد أبو عدي، إذا كان يريده هو الذي يعرف كيف يخرجه، وأضفتُ أن ياسر لا يصلح للمقارنة مع حسين كامل الآن لأنه صغير السن ولا زال تلميذا، إذا كنتَ جاداً بالموضوع بهذا الاتجاه أقترح عليك أن تؤجل الموضوع لسنتين أو ثلاث، لا سيما أن البنت ما زالت صغيرة ولم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها. فقال طيب، نكتفي اليوم بهذا القدر وسوف نلتقي مستقبلاً إذا حصل شيء. وقبل أن نغادر قلتُ له الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع لأني أدركتُ أنه جاد ومصر على زواج ابنته لحسين كامل.. قلتُ له أريد أن أقول كلمة أخيرة وهي أنني أرى حسين كامل أشبه بقنبلة موقوتة في جيبك، ولكنك لا تعرف متى وأين تنفجر، ولكن يا حافظ لو انفجرت لأن شظاياها سوف تصل الى مسافات بعيدة.. أقسم بالله أن هذا ما قلته لصدام حسين في ذلك الوقت، وهذا الكلام قاله بعد ثلاث عشرة سنة لعشيرته وحمايته عندما تمرد حسين كامل عليه واخذ بناته بالتنسيق مع الأمريكان لإسقاط صدام حسين واستلام الحكم. تركناه ولكن بعد أيام نسمع أن الخطوبة تمت.. وبعد أيام وفي بداية شهر أيلول سمعنا أن الزواج تم.. مفيد أن أذكر أن والدة صدام توفيت يوم 23/7/1983 ولم يمض على وفاتها شهر وبدأت عملية الخطبة، ولم تمض الأربعين يوما عليها، وتمّ الزواج..
استقالة الأخوة الثلاثة من مناصبهم
ويضيف برزان في مذكراته قائلا: بعد أن عرفنا بالزواج اجتمعنا نحن الأخوة الثلاثة في بيتي وتقرر أن نكتب رسالة نقول فيها: إننا في الدولة لأنك رئيسها وانضممنا للحزب لأنك سبقتنا.. الخ وبما أنك اتخذت قرارك بدون مراعاة رأينا فيعني أن الإخوّة ليس كما عرفناها ونشأنا عليها، وعليك أن تعتبرنا مستقيلين من مناصبنا في الدولة.. كنتُ رئيساً للمخابرات وسبعاوي مدير مكتب التنظيم السوري الذي حذرتُ صدام من نشاط هذا المكتب داخل سوريا وعمليات التفجير الذي يقوم بها والإساءة التي سوف تلحق به وبالعراق، لا سيما انك (صدام) طارح نفسك كزعيم قومي لذلك سوف يقف النظام في سوريا ضدك، وأضفت أن النظام في سوريا سوف يتخذ من هذه العمليات ذريعة لغلق أنبوب النفط المار عبر الأراضي السورية. وفعلا لم تمض أسابيع على هذا الحديث وقرر النظام في سوريا غلق أنبوب النفط المار عبر أراضيها. طبعاً تحملتُ انا مسؤولية أعمال المكتب السوري داخل سوريا، فقام المرحوم حافظ الأسد بحديث طويل في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الدار البيضاء عام 1983 على ما اعتقد وقال انه لا يستطيع أن يفهم إصرار الأخ برزان على القيام بعمليات التخريب والقتل في سوريا، وأضاف انه يعتقد أن هناك أمورا أهم وأكثر فائدة للعراق والأمة من هذه الأعمال التي يقوم بها في سوريا.. أما وطبان فكان محافظا لتكريت. ومن اليوم الثاني انقطعنا عن العمل الرسمي.. كانت صدمة لصدام لأنه لم يكن يتوقعها لأنه لا يستطيع أن يفهم أو يصدق أن هناك إنسانا يترك موقعا وامتيازات في دولة مثل دولته، لا توجد ضوابط بها لأي شيء.. فثار وبدأ يصرخ ويقول تحالفوا ضدي لأنني لست ابن أبوهم، عليهم أن ينتظروا. هذا ما نقله لي حامد حمادي سكرتيره في ذلك الوقت.. بعد يومين أو نحوها أرسل رسالة لي وأعطى صورة منها إلى سبعاوي ووطبان، لم يوفر فيها كلمة أو تهمة إلا وذكرها ضدي في هذه الرسالة، قال في رسالته أن برزان قادكم للهاوية وأن برزان له أهداف أخرى غلفها في هذا الموضوع، وشبه الموضوع بحصان طروادة. وحذّر وهدد ورعد وتوعد من مغبة أي تصرف يصدر منا أو اتصال نقوم به مع حمايته وحرسه وبقية أجهزة الدولة ومؤسساتها!. استغربتُ من هذا الكلام الذي ذهب بعيداً والى أمور ليس لها علاقة بما نحن بصدده.. هذا هو أبو عدي وسيطرت المؤامرة على تفكيره. أعطيت الرسالة الى شجرة الدر التي قالت انه فاقد أعصابه وصوابه واعتقد انه سوف يذهب بعيدا في تفكيره وقراراته اللاحقة، وعليه يجب أن تتجنب استفزازه، لأنه على ما يبدو أول مرة تحصل معه بعد أن وصل إلى الكرسي الذي تطلّع له منذ وقت بعيد وعمل وتحمّل من اجله الكثير، إن شخصا يقول له وداعاً.. انه تعلّم أن يطرد الآخرين وليس هم الذين يتركون. ويواصل برزان التكريتي الحديث في مذكراته فيقول: وانتقلنا الى منطقة المنصور بالقرب من بيت خالي خير الله طلفاح. حيث عشنا في هذه الدار الى ما بعد انقلاب 1968، وكانت اختنا سهام في المرحلة الثانوية وتقيم معنا وكانت تسهر على تربية الأطفال أولاد صدام عدي وقصي. وكانت علاقتي بصدام ودية وجميلة مبنية على المحبة والاحترام، وكان يعتمد عليّ في غيابه وفي وجوده، كنتُ ملتصقاً به خاصة في فترة الصيف عندما تتوقف المدرسة وكنت اذهب معه الى كل مكان يقصده وكل مكان يزوره، كان يذهب لنشاطه الحزبي اجتماعات ولقاءات حزبية على مستوى القيادة وعلى المستويات الأدنى، كان يكلفني ببعض الواجبات الحزبية، إيصال رسالة للمرحوم البكر أو استقبال الحزبيين لحين عودته، إضافة لخزن أسلحة وقنابل يدوية وملابس عسكرية وإدامتها قبل هذا وعندما كان مختفيا عن أنظار السلطة يتنقل بين أوكار الحزب، كنتُ أزوره في هذه الأوكار، وكان يعتمد عليّ ولا يخشى أن أكشف سراً أو احتمال ملاحقة رجال الأمن لي لكشف مكانه.
كيف اشترك النايف والداوود؟
أما كيف اشترك عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية وإبراهيم عبد الرحمن الداوود آمر الحرس الجمهوري بالتغيير فهذه قصة أخرى كما يقول برزان التكريتي في مذكراته: وملخصها أن عبد الرزاق النايف وهو مدير الاستخبارات العسكرية الفعلي – بالرغم من وجود مديرها العميد شفيق الدراجي – فقد وصل للنايف خبر بأن البعثيين سوف يقومون بعملية انقلابية خلال اليومين القادمين، واغلب الظن ان الذي سرب الخبر هم الأمريكان عن طريق السيد ناصر الحاني سفير العراق لدى لبنان في ذلك الوقت وحلقة الوصل والذي أصبح وزيرا للخارجية في حكومة عبد الرزاق النايف أول رئيس وزراء بعد انقلاب 17 /7/1968 وبالمناسبة أن زوجة الحاني أمريكية سجنت عام 1982 بعد ان وصل منها خبر على أنها تتحدث عن دور زوجها في عملية انقلاب 17/7/1968 وتم إيداعها السجن. وكذلك المرحوم سعدون غيدان آمر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري في ذلك الوقت الذي تم الاتصال به عن طريق المرحوم حردان ووافق على الاشتراك بالعملية، وهو الذي ادخل الكتيبة فجر 17 تموز 1968. وعبد الرزاق النايف المعروف بذكائه، وبعد تفكير قام بزيارة البكر الذي كان يحظى باحترام ضباط الجيش لأن الجيش في ذلك الوقت كان عنده تقاليد وقيم وأعراف، فكانت الزيارة مفاجأة للبكر مما أثار شكوكه، وبعد كلام عام وقهوة وشاي نهض عبد الرزاق مستأذناً من البكر وعند باب غرفة الضيوف قال للبكر سيدي اتمنى لكم التوفيق، فقال له البكر: ماذا تقصد؟ فرد عبد الرزاق قائلاً: سيدي انت تعرف ماذا اقصد. وخرج وبعد دقائق من الوقت الذي انصرف به عبد الرزاق وصل رسول من البكر الى بيتنا الذي كان في المنصور يطلب ابو عدي حالاً، كان الوقت ظهرا والطقس حار، فذهب ابو عدي وكنتُ معه، واذا البكر بوضع لا يوصف فعندما سأله ابو عدي قال له البكر (الثورة) انكشفت. فقال له ابو عدي: كيف؟ فقص له القصة، ورد عليه ابو عدي قائلاً ان الموضوع لا يستأهل كل ما انت به، قال كيف؟ فقال له استدعيه وسوف تسمع ماذا أقول له، فأرسل البكر برسول يستدعي عبد الرزاق النايف الذي حضر ودخل وهو يبتسم مثل الثعلب، وجلس فقال له ابو عدي ان ابو هيثم اخبرني بما حصل وأنت أخونا ولكننا لم نفاتحك بالموضوع تجنباً لإحراجك ولكننا مقررون أن نشركك بعد التنفيذ والآن حصل خير واعتبر نفسك واحدا منا. فرد عليه عبد الرزاق قائلاً: إذا لا بد من اشتراكي فانا أريد رئاسة الوزراء ولعبد الرحمن الداوود وزارة الدفاع، فرد عليه أبو عدي قائلا: اننا غير مهتمين برئاسة الوزارة لانها على احتكاك مع امور الناس اليومية ومشاكلها كثيرة ومن هو الافضل منك لرئاسة الوزارة، اما وزارة الدفاع فايضا لا يوجد عندنا عسكري محترف لاستلام وزارة الدفاع واللواء عبد الرحمن الداوود محل ثقتنا وهو مشترك معنا بالعملية فعلى بركة الله. وهكذا تمت معالجة الموضوع ولولا هذه الفكرة فحتما سوف يقوم عبد الرزاق النايف بـإخبار الحكومة بعد أن ينتظر لفترة 24 ساعة ويقطع الأمل من اشتراكه بالعملية ويحصل أسوأ مما حصل في 5/9/1964 عندما انكشفت المحاولة الاولى.. طبعا أنني لم اكن معهم داخل الغرفة التي حصل كل هذا الكلام فيها لكن أبو عدي اخبرني فيما بعد.
متابع