الشاعر غياث الدين النقشبندي عالم ديني ورجل معروف في منطقة بهدينان تابع دراسته الدينية والعلمية في المنطقة حتى اشتهر وتضلع فيها وأخذ الإجازة العلمية من مفتي العمادية ” محمد شكري أفندي “ولد في قرية بامرني الجميلة والبعيدة عام 1890م لكن هذا البعد لم يمنعه من ممارسة دوره كرجل مثقف في قضاء العمادية خاصة دوره في نشر التقدم الثقافي والعلمي عامة وإن كان قد نظم الشعر في عمر متأخر ولقوة وتأثير ثقافته وعلمه استمر عضواً في البرلمان العراقي منذ عام 1930م وجددت عضويته عام 1935م ولحين وفاته ،كان الشاعر غياث الدين معاصراً للشاعر الكبير ” أحمد نالبند” وهما من نفس القرية فلهما ذكريات ومطارحات شعرية جميلة عندما يكونان عن قرب أو يتراسلان شعراً عن بعد وهناك قصيدة عتاب يوجهها الشاعر غياث الدين للشاعر أحمد نالبند يعاتبه فيها على التباعد عن بامرني والسكن في قرية ” رويسى ” بين عشيرة الكلى إذ يقول في مقطع منها .
(( أيها المخلص أحمد أمين
جعلت منك ” رويسى ” مخبولاً مجنوناً
إذ أظلمت الدنيا في عينيك
وأضاعت منك حلاوة عمرك ))
وبعتاب هادئ وأحياناً قاسي يذكره بالأيام وعدم رضا الشاعر غياث بفراق صديقه فيقوم بتذكيره بالمصائب والنكبات التي حلت بت بسبب خروجه من بامرني من موت زوجاته وأطفاله ويلمح له بإمكانية مساعدته خاصة إن غياث الدين هو الابن الأكبر للشيخ بهاء الدين وله حظوة ومكانة ليس في القرية فحسب بل في المنطقة ،وفي قصيدة راقية ينصح الشاعر غياث الدين الشباب أبان انتشار الوعي الفكري والوطني والقومي فيبادر إلى حث الشباب الكرد الذين يعتبرون قوة المجتمع وحلمهم وطموحهم ومستقبلهم وهي لا تقتصر فقط على الشباب الكرد وإن كانت موجهة لهم بل كل الشباب عامة أينما كانوا يحثهم على العمل وحب الوطن .
(( ابدؤوا بعملكم من الأساس أيها الشباب أصحاب الغيرة
ولا تقولوا لا حظ لنا اليوم ولا فرصة ولا قسمة
لا يصيبكم اليأس فالميؤوسون يصابون بالضياع والقلق
ولا تتأخروا فالوقت ضيق والقافلة بدأت بالمسيرة
كونوا متفقين يداً بيد ولا تتفرقوا
قوًوا من حبالكم لكي لا تنقطع ولا تصبح أمثولة للآخرين ))
يختار الشاعر أنشطة فاعلة موجهة للشباب فالشباب يتصف بالقوة والجرأة والاندفاع ويكرس بصوت منبري فعل الأمر والتوجيه والنهي ” ابدؤوا – لا تقولوا – لا تتأخروا – كونوا – لا تتفرقوا – قوًوا ” ويختار صور مناسبة لا تفتقر إلى الذكاء والبراعة حينما يقول للشباب ” يا أصحاب الغيرة ” وينصح كأب مسئول عدم التوجه والميول لليأس والركود ووضع اللوم على الحظ والفرصة والقسمة فشماعات عدم وجود الحظ والفرص والقسمة يفتح الباب للضياع والقلق الذي يدمر الإنسان فكرياً ونفسياً وروحياً وهذا أكثر ما يصيب الشباب الغير طموح فالتركيز على الصور السلبية والأفكار الضعيفة من شأنه أن يؤدي إلى الانكسار والوهن ،وينتقل الشاعر إلى مسألة مهمة ” الوقت ” الذي لا يقف ولا ينتظر أحد فكنا في عمر الشباب وأثناء الدراسة كانت هناك أقوال معلقة على جدران الصف أو المدرسة مثلاً ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ” وغيرها التي تلوح لأهمية الوقت وهنا الشاعر يصف الوقت ” فالوقت ضيق ” والتأخير لا يناسب الوقت فالمسيرة بدأت وعندما تبدأ المسيرة فلا تتوقف ولا تلتفت إلى الوراء ولا تنتظر ،ومن التوجيه للوقت والحذر من عدم انتظاره إلى الاتفاق الفكري والتوافق المناسب في ظل تقلبات الحياة وعدم اللجوء للتفرقة بأي عنوان كان كالأحزاب والطوائف والفصائل وغيرها من المسميات العصرية فكلنا من آدم وحواء وآدم من تراب يقول الله عز وجل “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تتفرقوا ” فالاتفاق واقتراب وجهات النظر وايجاد الوسط والاتفاق عليها مهم لكي يكون التقدم والازدهار والتطور مثال حي للشباب بعيداً عن أمثلة التدهور والضعف والتراجع هذا التوجه نحو الشباب بديل للصور السلبية للواقع الضعيف ومبادئ أساسية مهمة تنطوي على ملاحظات وتصورات وتشابهات ومن ثم يجري التعامل معها بواقعية مع كل التوجهات والأوامر والنواهي والإرشاد ” شمروا عن سواعدكم فالعلم أولى في هذا اليوم ” لا يمكن مثل هذا الفكر العلمي المنهجي إلا قوياً مشعاَ ولا يقبل الجدل فالعلم يعطي يخلق فرص للنجاح والتطور والإبداع يقول الرسول “محمد ” صلً الله عليه وسلم اطلب العلم من المهد إلى اللحد ” ويعني مدى تأثير العلم في الفرد والمجتمع وتأثيره على الشباب الناضج فالعلم ليس له وقت وعمر محدد وحينما تنال العلم يجب أن يوجه إلى ترسيخ العدالة والحق والتطور والسلام لا إلى الدمار والخراب والتفرقة واللجوء إلى ” البندقية ” بدلاً من العلم فكل سلاح ذو حدين حسب مجالات استخدامه فالعلم والبندقية الأولى للتطور والثانية لحماية الوطن فحينما يدعوهم الشاعر لوضع البندقية جانباً فلا يعني إنكاره للدفاع عن الوطن بل يدعوهم لنيل درجات العلم حتى يصلوا إلى مصاف الشعوب المتقدمة الذين استطاعوا الحصول التقنية العالية ومظاهر التقدم كالطائرات ،يدعوهم إلى التقدم العلمي للحصول على الأكثر أهمية من البندقية فهي طريقة يتناول خلالها “العلم ” كوصفة أزلية للأمم والحضارات الراقية .
(( أيها الأبناء ضعوا البنادق جانباً وشمروا عن سواعدكم
فالعلم أولى في هذا اليوم لكي تحصلوا على فرصتكم
أيها الأبناء إذا نلتم العلم وكنتم متفقين
ستتقدم لكم الطائرة فلا تتحسروا على البندقية
أيها الأبناء اعلموا ما هو الحق وما هو الوطن في هذا اليوم ))
يعامل الشاعر غياث الدين بوصفه الواعي للعوالم الفكرية والاجتماعية وخاصة هنا ما يخص الشباب بكل تعبير أو صورة على حدة ولا يخض النظر على بنية النص المطروحة فهذه الطريقة التوجيهية الشبابية شبيهة بتحليل الحلم المركز في الذهن حيث تجري دراسة كل صورة من الحلم على حدة ولكن دون إغفال بنية الحلم الواضح المعالم لصالح عملية التوجيه والإرشاد وترتيب الأفكار وهي لها صلة مترابطة قوية في المجتمع بصور منطقية وزمنية قيمة وبأسلوب ذكي وفكر متقد يقول الشاعر ” لا تلوموا الزمان فهو ليال ونهارات متشابهة ” فالمهم الحصول على العدل والحقوق والعلم حينها سيلين الزمان ويأتيهم طواعية ويكون الوطن راقياً كما نحلم ونريده بمعالم ودلالات الحرية الراقية ،يدعو الشاعر غياث الدين ويبارك الشباب والمجتمع الذي يتجدد ويقدم كل ما هو جديد وما يخدم الإنسانية .
(( لا تلوموا الزمان فهو ليال ونهارات متشابهة
ولكن نحن السبب إذ لا قيمة لنا
أيها الشباب الوطن يطلب حقه منا فما الذي نعطيه
كل ما نبذله فهو حقه بدون منة وبدون فضل
إن الملا العجوز دائم الدعاء لكم فبروك لكم مائة مرة
ولكم الفخر البادي على وجوهكم ولكم الحرية ))
هذه الأفكار التوجيهية المصلحة بين عوالم العمل والغيرة والوقت والمسيرة وعدم التأخير والاتفاق والاجتماع والقوة في الجماعة وعدم التفرقة ثم طلب العلم واقتناص الفرص والحق والعدل والحرية والوطن وعدم لوم الزمان فنحن السبب لما نحن فيه الآن فالبذل والعطاء مهم فبقدر ما تعطي يأتيك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تحمل هذه الصور أسس فكرية ثابتة ملهمة مؤثرة فالشاعر غياث الدين حاط بالخطر الذي يصيب الشباب والمجتمع فجعل صورة الخطر والخلاص طاغية في آن واحد من خلال الكشف المستمر للوصول إلى الغاية الإنسانية الراقية .
***************************************
غياث الدين النقشبندي
- ولد في قرية ” بامرني ” الجميلة التابعة لمحافظة دهوك في عام 1890م .
- دخل المدارس الدينية في منطقة بهدينان حتى تضلع في العلوم الإسلامية .
- اشتهر كعالم ديني وشاعر معروف في المنطقة .
- له دور مهم في قضاء العمادية من جهة التقدم الثقافي والعلمي ونشر المعرفة فيها .
- أحد أعضاء البرمان العراقي منذ عام 1930 لحين وفاته
- عاصر الشاعر الكبير ” أحمد نالبند ” إذ كليهما من نفس العمر ومن قرية بامرني وبينهم مراسلات شعرية .
- توفي عام 1944م .
*****************************************
كتاب – فرحة السلام – من الشعر الكوردي الكلاسيكي ، دعوة للمؤسسات الثقافية والشخصيات الثقافية المعنية لطبعه ، لعدم إمكاني طبعه .. يضم الكتاب ( 18 ) شاعرا كلاسيكيا.. عصمت شاهين دوسكي ،
