من مذكرات برزان التكريتي “ح 2”
في مذكراته يروي التكريتي عن محاولة ناظم كزار الانقلابية في العام 1973 حيث قام مدير الأمن العام ناظم كزار مع عدد من الحزبيين من الكوادر والقياديين بمحاولته المعروفة، فاختلفتُ مع مجموعة عناصر تعود للبكر وهم مظهر المطلك الذي مات غرقاً عندما سقطت سيارته في نهر دجلة التي كان يقودها بسرعة عالية وهو مخمور ، وهيثم ابن البكر وزهير احمد المطلك ومحمود الندا .. الخ سبب الاختلاف لأنهم حاولوا الاعتداء على ناظم عندما تم القبض عليه في المنطقة الصحراوية التي تقع شرق بغداد بحجة أنه اخذ منذر المطلك مع المختطفين. وصل ناظم كزار الى القصر بعد ان مسكوه شرق بغداد بحالة لا توصف من الاعياء وبالكاد كنت اشخصه لان الغبار غطى شعره ووجهه وفقد نظارته وقميصه ممزق.فعندما وصل ناظم استلمته وأدخلته الحمام الملحق بالغرفة التي كنتُ بها لكي يغسل وجهه ، بعد ذلك طلبتُ منه الجلوس على إحدى القنفات وطلبتُ له قدح شاي وكأس ماء . وفي هذه الاثناء وصلت الجماعة وبدأوا يحاولون الاعتداء عليه فنهرتهم قائلاً إن ناظم بعثي وقام بعمل من شأنه أن يحاسب عليه ، وتوجد محكمة خاصة سوف تنظر بالامر ، ونحن لسنا عشيرة حتى نتصرف مثل هذا التصرف ، فطلبت منهم أن يخرجوا من الغرفة ، ولم يكتف ناظم بما قمت به ، فقال مخاطباً محمود الندا أنت مو بعثي ماذا تعمل هنا في بيت الحزب ،أخرج من هنا لأن ليس من حقك أن تكون هنا، فرد عليه محمود بشيء لا أذكره فقال له ناظم أخرج والا فضحتك لأني أعرف كل تصرفاتك. بعد ذلك وصل ابو عدي للغرفة بعد ان كان في غرفة البكر فجلس مع ناظم وانا كنتُ معهم فقال له صدام: لماذا ناظم عملت هذا؟ فرد عليه ناظم : عملتُ هذا خدمة للحزب.
قال له ابو عدي: كيف؟ قال ناظم : لأن هناك انحرافا داخل قيادة الحزب عن خط الحزب؟
قال صدام : كيف؟ قال ناظم: ما تعرف كيف يتصرفون جماعة البكر ويتصرف سعدون غيدان وكيف يتم تهريب اليهود الى خارج العراق مقابل مبالغ ، وكيف يتصرف حماد شهاب مع الحزب في التنظيم العسكري ، وكيف يتصرف خالك الحاج خيرالله.
قال صدام : ما هي تصرفات الحاج خيارالله؟
قال ناظم: قبل ايام كان هناك تمرين عسكري في منطقة الرمادي . وكان الرفيق محمد فاضل عضو القيادة القطرية هناك وجلس في الصف الاول ، فسحبه الحاج خير الله من طرف سترته وقال له اجلس بالخلف لأن هذا المكان ليس لك. واضاف ناظم: نسيت كيف ضرب حجي خير الله الرفيق محيي الشمري في مكتب المحافظ. والرفيق محيي عضو فرع . ولهذه الاسباب قمتُ بهذا العمل لكي اخدم الحزب. بدأ صدام بالبكاء ولم يرد بشيء . فقال لي : برزان خذ ناظم للهيئة التي تشكلت للتحقيق معه ومع مجموعته. يقول برزان فاخذته الى قصر النهاية وسلمته الى سعدون شاكر ، وكانت اللجنة هناك عرفتُ فيما بعد أن ناظم لم يتكلم بشيء للتحقيق خارج ما ذكره لابي عدي. فقام سعدون شاكر باعدامه . ولسعدون شاكر ثأر معه لأن ناظم كان يخبر ابو عدي عن تصرفات سعدون شاكر البعيدة عن تقاليد الحزب في ذلك الوقت والتي بدأت بوقت مبكر.
احتجاج عائلة البكر على موقف برزان من كزار
بعد ذلك أخبرت الجماعة البكر وقامت عائلة البكر بمعاتبة عائلتنا قائلة : كيف يقدم برزان هذه الرعاية لناظم الذي كاد ان يقتل منذر ، وكيف يتصرف مع الولد .. يقصدون مظهر ومحمود وهيثم وزهير هكذا ويطردهم من الغرفة أمام الناس ، وزعل البكر عندما سمع ذلك ولكنني قلتُ لهم عبر العائلة أن تصرفي صحيح لأنه مبدئي وأنني مقتنع بذلك.. بعد أيام تم إحالتي على التقاعد وبقيتُ ما يقارب من السنة ، بعد ذلك فاتحني ابو عدي بالعودة ، قلتُ له لا مانع لكن بشرط أن لا ارجع للجيش لأنني لم ادرس العسكرية ولا احبها لذلك في حالة عودتي للوظيفة يجب أن اعود للخدمة المدنية وحصرا لوزارة الخارجية ، فوافق على ذلك وتكلم مع البكر ، وصدر قرار بتعييني موظف بدرجة سكرتير ثالث في وزارة الخارجية ، فالتحقت بوزارة الخارجية في الربع الاول من سنة 1974 وتم تنسيبي للدائرة السياسية الاولى . كان معي السيد حاتم حمدان العزاوي رئيس الديوان فيما بعد ومدير الامن العام والامن الخاص . وكان معنا السيد معن عريم لا اعرف أين هو الآن، وعدد من الموظفين سرور نجيب ومهند قاسم خليل وغيرهم.
مسؤول أمن صدام
استمريت بالعمل في وزارة الخارجية وهيأتُ نفسي بعد أن اتفقتُ مع شجرة الدر أن اطلب من ابو عدي أن ينقلني للعمل في سفارتنا في كندا او لندن ، لأنني كنتُ قد تخرجتُ ، وكذلك شجرة الدر من الجامعة عام 1975 -1976 . وكانت رغبتنا كبيرة للدراسة في امريكا أو انكلترا ، ولكن وفي هذه الاثناء فاجأني ابو عدي كعادته دائماً بالطلب مني أن اعمل في مكتبه للاشراف على أمنه الشخصي ، فقلتُ له بأن رغبتي أن اعمل في احدى سفاراتنا في امريكا او انكلترا ، وقد هيأتُ نفسي لذلك، لانني أرغب بمعرفة ثقافة وتفكير العالم الآخر الذي أعتقده مهم لي كإنسان وكموظف دولة. .. قال هذا صحيح ولكن الفائدة الاكبر الآن في بغداد. وأضاف انه محتاج لي لترتيب أمور أمنه الخاص. وبعد أخذ ورد قلتُ له طيب ولكن بشرط . قال ما هو الشرط ؟ قلتُ بأن يكون الامر بصيغة التنسيب وليس النقل من وزارة الخارجية الى مكتب نائب الرئيس لكي اعود للخارجية بعد أن نهيئ الشخص الذي تعتمد عليه في هذا المجال . قال موافق . فصدر الامر بتنسيبي من وزارة الخارجية الى مكتب نائب الرئيس وقمتُ بتأسيس دائرة أمن المجلس الوطني وطورتُ مستلزمات الحماية بادخالهم دورات في المخابرات والأمن وطلبتُ مستلزمات العمل من المخابرات والأمن وزدتُ من عدد أفراد الحماية وكان معظمهم من الاقارب ، الا عددا قليلا من تكريت ..وكان مرتاحا لعملي وللترتيبات التي قمتُ بها ، وكنتُ أتطلع دائماً للعودة لوزارة الخارجية لكي أحقق رغبتي وحلمي الذي هو العمل في احدى الدول المتقدمة في العالم ولكي أنهل من المعارف والعلم هناك .
مشاكل عدي في جنيف
الذي اتضح ان الحقائب كانت تحتوي على مبالغ بالدولار ، لأن صديقه عبد الوهاب قال لي ذلك ، جلب عدي معه اكثر من خمسين بدلة وأكثر من عشرة معاطف فرو مع الشفقات ( القبعات) التي تجلب الانتباه اضافة للمعاطف المثيرة للانتباه لأن لا يوجد رجال اوروبا يرتدون معاطف الفرو والقبعات المصنوعة من الفرو ايضا ، لذلك كان الناس يقفون يتفرجون عليه عندما كنا نمشي في الشارع او ندخل الى احد المطاعم. وكان هذا شيئا ممتعا له، وكان يقول لي عمو يمكن انهم عرفونا، كنت اقول له لا يعرفوننا ولكنهم إنتبهوا للملابس التي ترتديها فيقول نعم لانهم لا يستطيعون إقتناء مثلها. كنتُ اسكت ومرات كنتُ اتضايق مما يجعلني اقول لا يا ابني هنا الامر مختلف ولا يهتمون بما لا يعنيهم بل يعتقدون انك من احد الدول الافريقية ، وربما يعتقدونك من الكونغو. كان يتصرف بطريقة مزعجة وجالبة للانتباه وبطريقة لاتفهم، تصور كان يذهب للنوادي اليلية ويأخذ معه ( النركية) الشيشة ، فيصبح فرجة للناس وقسم من الناس يعتقدون انه يدخن الحشيش. في احدى الليالي كان في ناد ليلي مشهور اسمه ( الكرفتر) وذهب للحمام مع صديقه عبد الوهاب وبدأوا يتكلمون عن شخص كان ايضا في دورة المياه وكان الكلام استهزاء وقاس. بالصدفة يكون هذا الرجل عربي وفجأة يتكلم العربية يقول لهم كلاما فيه الكثير من التأنيب .. كان رد عدي سحب المسدس ومحاولة ضرب الرجل على رأسه ولكن حال دون ذلك عبد الوهاب عندما مسك يد عدي وتدخلت ادارة النادي وحالت دون استدعاء الشرطة ، لكن كل شيء وصل الى الشرطة في اليوم التالي ، اما المخالفات المرورية وادخال سيارة مخالفة للمواصفات السويسرية سبب ايضاً أزمة ، ولكن السويسريين على خلاف عادتهم تحملوا كل هذه التصرفات والتجاوزات لان وضع العراق في ذلك الوقت كان مختلفاً وتأثيره وامكانيته للضغط على الدول عن طريق مصالح تلك الدول كان كبير. ولكن الاكبر والاخطر من هذا كله والاخطر هو عندما ضرب عدي حارس البعثة وليد بطلقتين في صدره وخرجت من ظهره ، والسبب هو لأن الحارس اتصل بي بواسطة التلفون يخبرني ان عدي وعبد الوهاب بدآ بنقل أمتعتهما من الشقة ليضعاها في سيارة . فارتديتُ ملابسي بسرعة فوجدتُ الحقائب والامتعة في الاستعلامات ، وكان عدي خارج البناية لجلب السيارة ، فعندما دخل شاهدني فقلت له الى اين ذاهب؟ وكنتُ اتكلم معه وانا منفعل ، وبدلا من أن يجيب على سؤالي ذهب باتجاه الحارس وصوب مسدسه نحوه واطلق طلقتين عليه اصابته في صدره، فكان هذا التصرف بالنسبة لي تصرفا حيوانيا شرسا لا استطيع وصفه. وفي هذه الاثناء نزل الدكتور عبدالمنعم القاضي الذي استدعيته فطلبت منه ان يساعدني لاخذ وليد الى المستشفى. وكان في البداية يصرخ فحاولتُ تهدئته خوفاً من معرفة سكان البناية وحرس البعثة الالمانية التي تقع مقابل البعثة العراقية على مسافة امتار، ووصول الخبر للصحافة ما يسبب لنا فضيحة نحن في غنى عنها لان الفضيحة الاولى ما زالت على الالسن وصفحات الصحف فاخذناه للمستشفى وفورا دخل غرفة العمليات واجريت له عملية استغرقت ثلاث ساعات ونصف. بقيت مع الدكتور عبد المنعم في مستشفى (الكونتننتال) الى الساعة السابعة صباحا، بعد ما خرج الحارس من صالة العمليات واستقر وضعه. وعندما تم السؤال من قبل أمن المستشفى الذي إستدعى محققين من الشرطة عن الحادث وكيف حصل، قلت لعبد المنعم القاضي ان لا يخبرهم بأن الحادث حصل خطأ نتيجة اهمال الحارس وعدم الانتباه للسلاح عندما كان يقوم بعملية تنظيفه. وتم غلق الموضوع دون قناعة الشرطة السويسرية بادعاءاتنا للسبب الذي ذكرته سابقا والذي هو وضع العراق في ذلك الوقت . بقي الحارس في المستشفى فترة ثلاثة اسابيع ، كنتُ ازوره مرتين في اليوم مع الطعام الذي اطلب من الطباخ تحضيره
عدي يقرر العودة الى بغداد
سرعان ما انتهى كل شيء عندما قرر عدي أن يعود للعراق يوم 19/1/1989 بعد فعلته الجديدة ، فسحبوا الطباخ والسفرجي ، فلاقينا صعوبا حقيقية لحين ما التحق بي طباخ لبناني من بغداد أعرفه منذ فترة طويلة وحصرا منذ عام 1972 . التقيت به في بيت سفير العراق في ايطاليا السيد طه محيي الدين معروف وكان يفتش عن عمل بسبب ظروف بلد التي كانت أسوأ من ظروف العراق الان، وجاء معه شاب يعمل عندي في البيت سفرجي هو عيسى حبيب .. بعد ذلك إستقرت الامور بعض الشيء. إتصلتُ بشجرة الدر واخبرتها بضرورة ان يصل خبر الى الرئيس مفاده أن ابنه ترك جنيف متجها الى بغداد ، وبما أن الوضع متأزم بين الاثنين كنت أخشى أن يحصل شيء مكروه للرئيس من ابنه، فقامت باخبار الرئيس، لكن الرئيس لم يعترض على عودة إبنه دون إذن منه لأن الأبن خرج من سيطرة أبيه.. وبعد فترة أعيد عدي رئيسا للجنة الاولمبية واعاد كل نفوذه ومناصبه التي جرده منها ابوه بعد فعلته الاولى. وبعد شهر من الحادثة ومغادرة عدي جنيف جاءت أم عدي مع صدام كامل لتنقل تحيات الرئيس بالسلام ويقول أن بقاء برزان في جنيف لفترة أخرى أو عودته الآن متروك له. قلتُ في سري إننا ما صدقنا أن نخرج من ذلك المستنقع ، فكيف اعود له. قلتُ لها كنتُ عملتُ أن اصلح إبنكم واساعده لكي ينهل من تجربة غنية ومعرفة لا حدود لها في بلد يقع في قلب اوروبا ، ومعروف بنظامه وثقافته ولكنه لم يساعدني ، بل لم يساعد نفسه لانكم لم تهتموا به في المرحلة الاولى من نشأته.. أما بصدد بقائنا من عدمه فأننا سوف نبقى لاننا أدخلنا الاطفال في المدارس الداخلية ، ورغبتنا الشديدة لتعليمهم هنا لكي يكسبوا علما ولغة ومعرفة في هذا البلد.. والشيء الاخر لانني أجد من الصعوبة عندما يقال عني أن برزان ذهب مع عدي وعاد بعد أن عاد عدي وكأنني مرافق لعدي وليس عدي هو الذي جاء معي . طبعا تم تعيين عدي بدرجة سكرتير أول في البعثة ، وحاولتُ اقناعه أن يدخل الجامعة في جنيف لكنه رفض ، لأنه لا يميل للحياة الجدية والدراسة ، وأخذ شهادته من العراق بطريقة معروفة وباعتراف أبوه عندما قال لي حينما اقترحتُ عليه أن يدخل عدي الجامعة في جنيف ، قال اذا إستطعت إدفعه بهذا الاتجاه وسوف تعمل عملا مفيدا.