دفاعاً عن الخطأ
لايحق لأي موظف حكومي ان ينتقد الحكومة ،أو ان يتمرد على سلطتها وسياقها السياسي والاعلامي .. هذا مامعمول به في جميع ديمقراطيات وديكاتوتوريات العالم ..
وهو اجابة على دهشتنا جميعا من قراءة مذكرات المسؤولين المستقيلين حين يبدون آراء في مذكراتهم مناقضة تماما لمواقفهم حين كانوا في المسؤولية .
بل ان ثقافتنا وصحافتنا وتحليلاتنا السياسية المتأخرة تصدم وهي تقرأ عن شجب كول باول لسياسة جورج بوش في احتلال العراق فيما كان هو وزير خارجيته ، واراء جورج تينيت المدير المخضرم لوكالة الاستخبارات الامريكية ضد أساليب الادارة التي كان يخدمها في مكافحة الاٍرهاب او اعتراف توني بلير بالخطأ !!، وكذلك وليس الامر تشبيهاً حين ترى العاملين في صحف صدام وشعراءه وروائييه بعد ان تحولوا الى مناضلين ومجاهدين بعد سقوطه .
المبدأ الأساسي عليك ان تستقيل من وظيفتك الحكومية وتنهي علاقتك معها كي تحاربها ، صحفيا كنت ام عسكريا .
لكن الوضع العراقي الذي أنتج لنا مراكز نفوذ عديدة من تجار وسياسيين اقوى من الحكومة في العراق أنتج الى جانب ذلك نماذج مشوهة من الكتاب والمحللين والمناضلين! كيف ؟
التعيينات في الصحافة الحكومية لم تصدر من جهة واحدة ، فلا يوجد إطلاقا إطلاقا شخص تم تعيينه في مؤسسة ثقافية حكومية دون دعم من جهة أو شخصية متنفذة ، هي مصدر قوته وظهره فيما يكتب ومايقول وماينتقد ..
الذي عينه الصدريون ينتقد المالكي والذي عينه المالكي ينتقد العبادي والذي عينه العبادي يهاجم الميلشيات والذي عينه اتباع ايران ينتقد اليمن والسعودية والذي عينه الأمريكان ينتقد تدخل ايران واذرعها في العراق والذي عينه البعثيون المخترقون للسلطة ينتقدها ويحاربها. وهكذا
.. ولذلك لاعجب ان ترى في مؤسسة حكومية صحفية واحدة ، كل هذا الهجوم على كل هذه الذوات.
حتى اصبح القاريء اللبيب حين يقرا مقالا ينتقد ايران او السعوية او البحرين او قطر او رئيس الوزراء او الصدر أو الخزعلي أو علاوي او ترامب يسأل : بمن يحتمي كاتبه ؟؟؟؟..
نعم .. لقد جعلوا من جميع الصحفيين العاملين في المؤسسات الحكومية مأجورين ، وحرية الراي ضد العبادي يضمنها المالكي وحرية الراي ضد الصدر تضمنها الميلشيات الوقحة . وحرية الراي ضد الميلشيات الوقحة يضمنها الصدر وهكذا ،
ليلعب المأجورون بلغة منمّقة زئقبية في التصدي لهؤلاء لمصلحة أولئك ، وحين ينكشف امرهم يقدمون انفسهم شهداء رأي وضحايا فكر أمام الراي العام .
من متابعة دقيقة للعمل الصحفي والاعلامي كنت أتوقع هديرًا من الرأي المحتج حين تعرضت ُانا شخصيا والمؤسسة الرصينة الوطنية التي انتميت اليها وتم اغلاقها في بغداد زوراً وبهتاناً لانها واجهت الفاسدين ونصحت المسؤولين باخلاص وحيادية تامة.
.
لكن جميع اصحاب الراي ( الحر ) هؤلاء صمتوا .. لماذا ؟ لانها واجهت الجميع الذين أعنيهم والجميع موظفون لدى مراكز النفوذ تلك .
حتى الرفقة في الكتابة والمنفى لم تحرك لديهم ساكنا ان أديبا مثل عبد الحميد الصائح يصدر امر بإلقاء القبض عليه وهو الذي نذر عمره وفَرَّط بنشر تجربته الأدبية من اجل العمل ضد صدام ونظامه ،
ولَم يحركوا ساكنا او يبدوا رأيا حين اغلقت قناة تلفزيونية حاربت صدام بالدراما والفن وأرخت بعناية وتعب واهتمام لجرائمه ، لكونها انتقدت أولياء نعمتهم الذين يدعمون وجودهم في المؤسسات الحكومية الصحفية ، فخشييوا من نقمتهم وخسران الرواتب المليونية ودعم تجار السحت الحرام لمؤسساتهم الشخصية .
اليوم كتبتُ لأحدهم تعليقا قلت فيه ” هذا ماكنا نخشاه يافلان ” ربما اخطأتُ في ارساله او انه فهمه جيداً فحذفه !..
لان الأديب والمثقف والاعلامي مسؤول امام التاريخ اكثر من السياسي ، السياسي يتعامل مع الامر الواقع والمثقف الحقيقي يتعامل مع الحقيقة والمنطق والقيم الدائمة . والنَّاس أمانة مؤقتة بيد السياسي وهي ذاتها أمانة دائمة بيد المثقف .
المؤشر الجديد ايها الصحفيون الحكوميون ان جميع داعميكم ورعاتكم قد اتفقوا فيما بينهم ، فلم يعد يإمكان احد منكم ان يشتم احدا منهم لصالح احد منهم . وقعوا على ” الاعمامات” الصحيحة التي وجهت لكم ، لانها أعمامات حق يراد بها حق . او تنصلوا عن هذا الدور المنافق الخطير .. فساحات التحرير وميادين الفقراء لن تقبل بعد اليوم قدما واحدة منكم فيها ، واُخرى راكعة في السر لسادتكم وداعميكم.