الأزمة مع كندا تعكس سياسة سعودية متشدّدة تجاه المنتقدين في الخارج
تعبّر الإجراءات المفاجئة التي اتخذتها الرياض ضد كندا عن نهج جديد في السياسة الخارجية للمملكة يقوم على التشدد في مواجهة أي انتقادات خارجية للحملة التي تشنها الرياض ضد نشطاء في حقوق الانسان، حسبما يرى خبراء.
وكانت السعودية أعلنت الاثنين أنها طلبت من السفير الكندي مغادرة أراضيها وقررت استدعاء سفيرها في كندا وتجميد التعاملات التجارية معها ردا على انتقادات وجهتها أوتاوا للمملكة بشأن توقيف ناشطات بارزات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة.
كما قررت وقف إرسال الطلاب الى كندا والعمل على نقل هؤلاء الطلاب إلى دول أخرى، بينما أعلنت الخطوط الجوية السعودية عن إيقاف رحلاتها من وإلى تورونتو اعتبارا من الاثنين المقبل.
ويتّفق خبراء في السياسة الخليجية على ان الإجراءات السعودية ردة فعل مبالغ فيها من قبل المملكة التي دائما ما تتعرض لانتقادات بشأن سجلها الحقوقي، الا انهم يرون فيها محاولة جديدة من قبل الرياض لاستخدام نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي في قمع أي انتقاد خارجي.
ويقول الخبير في شؤون الشرق الاوسط جيمس دورسي لوكالة فرانس برس “انها محاولة واضحة لتخويف الدول بهدف تخفيف حدة انتقاداتهم للسعودية”.
وبعيد التصعيد المفاجئ في العلاقات الثنائية، أكّدت كندا أنها لن تنحني أمام الضغوط السعودية التي تضع اتفاقا لشراء مدرعات كندية بقيمة 15 مليار في مهب الريح ما قد يؤدي الى خسارة آلاف الكنديين لوظائفهم.
وقالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاد “ستدافع كندا على الدوام عن الحقوق الإنسانية أكان في كندا أم في بقية أنحاء العالم”. وأضافت ردا على سؤال حول مصير عقد المدرعات الخفيفة الذي تم توقيعه في العام 2014 ان هذا السؤال “سابق لأوانه” وأنه يجب أن يُطرَح على الرياض.
– “تأديب” المنتقدين –
اتّخذت السعودية الاجراءات الدبلوماسية بعدما دعت السفارة الكندية إلى “الإفراج فورا” عن نشطاء في المجتمع المدني أوقفوا في إطار موجة جديدة من الاعتقالات في المملكة.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الاسبوع الماضي ان السعودية أوقفت مؤخرا الناشطة المعروفة دوليا سمر بدوي، شقيقة المدون المسجون رائف بدوي، والناشطة في المنطقة الشرقية في المملكة نسيمة السادة.
وجاءت التوقيفات بعد أسابيع على حملة اعتقالات طالت أكثر من 12 ناشطة وناشطا في مجال حقوق الانسان، اتهمتهم صحف مقربة من الحكومة ب”الخيانة”، بينما قالت السلطات أنهم عملوا على “تقويض استقرار المملكة”.
وكتبت كريستين ديوان من “معهد دول الخليج العربي” في واشنطن في حسابها بتويتر “بعد +تأديب+ المنتقدين في الداخل من خلال التحذيرات والتوقيفات، تسعى (السعودية) الى استخدام قوتها الاقتصادية لتأديب المنتقدين في الخارج أيضا”.
وكندا هي أول دولة تتخذ السعودية إجراءات بحقها على خلفية انتقادات.
وفي آذار/مارس 2015 استدعت الرياض سفيرها في ستوكهولم بسبب انتقادات وجهتها وزارة الخارجية السويدية للسعودية وتتعلق بسجلها الحقوقي.
ونقلت وكالة “بلومبرغ” المالية هذا العام ان السعودية تقلل من تعاملاتها التجارية مع ألمانيا بسبب خلافات دبلوماسية. وجاء ذلك بعدما اعتبرت وزارة الخارجية الالمانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أن لبنان “بيدق” في أيدي السعودية إثر اعلان رئيس وزرائه سعد الحريري استقالته من الرياض.
ويقول خليل حرب الخبير في شؤون الخليج ومدير تحرير موقع “جورنال” المتخصص بالسياسات الخليجية “السعودية عرفت تاريخيا بتأنيها دبلوماسيا”.
ويرى ان “القرار السعودي الصادم في حدته واستعجاله (…) يعكس تحوّلا نحو التشدد في السياسة الخارجية للمملكة يرسم معالمه ولي العهد الشاب الامير محمد بن سلمان”.
– “إلا الوطن” –
وفي هذا السياق أكّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عبر تويتر ان “المملكة لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولن تقبل أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية”، مضيفا “نتعامل مع ذلك بكل حزم”.
وحظيت قرارات حكومته بتأييد سعودي واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تجرّأ عدد قليل من المستخدمين السعوديين على دعم موقف أوتاوا الداعي إلى الإفراج عن ناشطين حقوقيين.
وانتشرت على تويتر تغريدة لحساب موثّق ينشر رسوما بيانية لتصريحات سعودية رسمية، حذّر فيها كندا من التهجم على المملكة، مستخدما صورة لطائرة مدنية تحلّق فوق مدينة تورونتو على مقربة من برجها الأشهر.
وقال مستخدمون ان الطائرة تبدو وكأنها تتجه صوب البرج، وان الصورة تذكر بهجمات أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة والتي كان عدد كبير من المتورطين فيها سعوديين.
وأعلنت وزارة الاعلام السعودية اغلاق الحساب الذي نشر التغريدة لحين “التحقيق في الموضوع”، بينما أصدر الحساب اعتذارا وقام بمسح التغريدة.
وترى ديوان ان أزمة كندا “مثال على شعور الوطنية القائم في السعودية على الدفاع بضراوة عن السيادة عبر اتخاذ اجراءات عقابية”.
وكتبت صحيفة “الجزيرة” السعودية على صفحتها الاولى الثلاثاء “السيادة خط أحمر”، بينما كتبت صحيفة “الرياض” بخط عريض “إلا الوطن