معالجة الجريمة ضرورة، لكن الوقاية منها انجع
على اثر الجرائم التي اندلعت في اكثر من حي في مدينة مالمو السويدية، ثم ما لبثت ان انتقلت الى مدينة هلسنغ بورغ و في جميعها استخدم اطلاق النار من بنادق الية، تداعى عديد من المهتمين بالامر الى لقاء في مكتب حزب اليسار السويدي و بعد معالجة للاسباب و الدوافع، اثمر اللقاء عن اتفاق على كتابة مقالة جماعية، تفسح في المجال لحوار بناء لتدارك مخاطر ازياد الجريمة في هذه المدينة العزيزة التي يجري السعي حثيثا الى تحويلها الى مدينة ثقافية لما تتمتع فيه من مواصفات تؤهلها لذلك.
ووقع على المقالة بعد تدقيقها كلا من: نوشي دادغوستر ” نائب رئيس حزب اليسار “، حنا تومي عضوة المجلس البلدي في مالمو، محمد قدورة، سعيد هدروس و حسين شوباش و قد نشرت المقالة بالكامل على صفحات “السيد سفنسكا” و لاهميتها و لاهمية ان يطلع عليها الناطقون باللغة العربية اعيد نشرها باللغة العربية :-
نحن جميعا، سياسيين و باحثين و دوائر حكومية و مؤسسات مجتمع مدني، لقادرين على خلق مقومات النجاح في مكافحة الجريمة.
ان غالبية تقارير وسائل الاعلام بعد اطلاق النار مباشرة و بعد جرائم العنف في مالمو، كانت مجمعة على القول: ” ان كلا من الجناة و الضحايا هم اناس معروفون مسبقا من قبل البوليس “، فكيف يجري ذلك دائما من فتيان معروفين جيدا لدى دوائر البوليس، دون ان يقوم المجتمع اتجاهم بالنشاط الكافي لابعادهم عن ميادين الجريمة؟!
ففي مدينة مالمو يوجد حوالي 200 من الشباب ملاحقين من قبل البوليس لاكثر من الف مرة تبعا لبيانات البوليس نفسه، ان هؤلاء الملاحقين هم في عمر الشباب و اغلبهم على صلة بمكتب الشؤون الاجتماعية ” السوسيال ” و من الذين لديهم مشاكل في المدارس، فقد انصبت جل النقاشات السابقة على ضرورة تشديد العقوبات ضدهم اكثرمن تعزيز الرقابة المجتمعية عليهم، لكن ثبت بان العقوبات القاسية لم تؤدي الى تقليل الجريمة و لم تخفف من مخاطر انتكاستهم بعودتهم الى عالم الجريمة، و قد اشار السيد دانييل ناجين الخبير في علم الجريمة و الذي حاز على جائزة استكهولم في هذا المجال، بان العقوبات الشديدة بالسجن لم تقلل من جرائم العنف. و قام بدوره باجراء مقارنة بين عدد من الدول، في الولايات المتحدة الامريكية، فرضوا عقوبات مشددة على جرائم العنف، الا ان غالبية الجناة عادوا الى ارتكاب جرائمهم، بينما في النروج جرى الاعتماد على عقوبات اقل و اكثروا من عمليات اعادة التاهيل، فتبين ان العدد الاقل من مرتكبي الجرائم قد عادوا الى عالم الجريمة.
من اجل ان نثني الشباب عن ارتكاب جرائم العنف، علينا ان نلاحظ بدقة من هم الذين ينتهي بهم الامر الى ارتكاب الجريمة، فنجد ان هناك تشابه كبير بين المذنبين بارتكاب العنف الشديد و كذلك يوجد تشابه بين ضحايا تلك الجرائم، فان اغلبيتهم ممن ينتمون الى عمر الشباب و ممن لم يتابعوا تعليمهم بعد الثانوي و ممن يعيشون في ظل اوضاع اقتصادية سيئة و نفس هذه العوامل تشكل قواسم مشتركة عند الغالبية منهم، فما عدا الفقر توجد عوامل اخرى تدفع الى زيادة الخطورة على اولئك الشباب للانخراط في عالم لجريمة، على سبيل المثال: العلاقات السيئة مع الوالدين او مع احدهما، الادمان على المشروبات الكحولية، استخدام المخدرات و هو لا يزال في فترة النمو، و يمكن اضافة النتائج المدرسية السيئة الى تلك العوامل.
ان هناك تفاوت في جنس من يتعرضون للعنف الشديد، فالفتيات يتعرضن الى العنف الشديد من قبل المقربين منهن، بينما هذه الحالة تنطبق فقط على 8% من الفتيان و بان 85% من المعتدين هم من الذكور و في حالات الاعتداءات الجنسية تصل نسبة الذكور الى 98% ” ان هذه الاحصائيات صادرة عن ” مجلس الوقاية من الجرائم “.
و من الملاحظ ايضا انه قد اتسعت هوة الفوارق الطبقية في المجتمع السويدي في السنوات الاخيرة ، فلم يظهر سابقا مثل هذا الثراء الفاحش و ازدياد عدد من يمتلكون المليارات و في نفس الوقت ازدادت اعداد من يعيشون في حالة الفقر و الذين بداوا يفقدون الثقة بالمستقبل، ففي مالمو يعيش طفل من كل ثلاثة اطفال قريبين من حد الفقر، حسب دراسات ” انقذوا الطفولة “. رغم ان السويد فيها من الامكانيات القادرة على الاعتناء بكل طفل فيها و من اجل بناء مجتمع مختلف عما نحن فيه اليوم.
و بناء على ما تقدم لدينا 12 اقتراحا لنعمل سويا ليس فقط من اجل مكافحة الجريمة، بل ايضا من اجل الوقاية من مظاهر الجريمة:-
اولا، اتباع سياسة لتامين المساواة، من خلال ردم الهوة الطبقية و قطع دابر الفقر، فهذا يشكل عاملا حاسما في بناء المجتمع.
ثانيا، زيادة امكانية البوليس، حيث ينتشر رجال البوليس في الشوارع و الساحات، و هذا الامر بحاجة الى بوليس محلي من المعروفين من قبل ابناء المنطقة و يثقون بهم.
ثالثا، الاستثمار في المناطق السكنية، و تامين السكن الامن و المريح و يكون اساسا لبيئة نمو سليمة. رابعا، زيادة العاملين في مجال العلاقات الاجتماعية، القادرين على ادارة انشطة نوعية خارجية في المدينة، فالا للاسف لا يوجد سوى 5 عاملين في هذا المجال في مالمو.
خامسا، زيادة اتخاذ الاجراءات المبكرة في المدارس، مزيدا من الاعتناء بصحة الاطفال، التقليل من اعداد المجموعات الطلابية، تعيين المزيد من المرشدين الاجتماعيين و زيادة المعلمين الاختصاصيين في المدارس.
سادسا، اتخاذ اجراءات بضباط الضرائب و ضد العمل الاسود لانه في كثير من الاحيان يغذي نشوء العصابات الاجرامية.
سابعا، ادارة انشطة قائمة على المساواة بين الجنسين في المدارس، فقد بينت المؤسسات المعنية بان مخاطر ميل الفتيان الى استخدام العنف هو اربع اضعاف ميل الفتيات نحوه.
ثامنا، توفير موارد اكبر للحياة الثقافية و للجمعيات في مالمو، فالمدينة بحاجة ماسة الى مزيد من مراكز اللقاءات و التجمعات للشباب و تامين العديد من الانشطة المجانية للاطفال و الشباب، لان هذا يخلق علاقات اجتماعية هامة.
تاسعا، زيادة العناية بمعالجة مشاكل الجريمة و اعادة تاهيل مرتكبي الجرائم للتخفيف من نسبة الانتكاس و العودة الى عالم الاجرام مرة اخرى.
عاشرا، اعطاء البوليس و رجال الجمارك صلاحيات اوسع لمكافحة التسلح غير الشرعي، العودة الى اصدار عفو عن اقتناء السلاح، كان يقرر : ان تسليم الاسلحة غير المرخص بها الى البوليس، لا يتعرض اصحابها للعقوبات، ففي اخر عملية عفو عن اقتناء السلاح، جرى تسليم اكثر من 5000 قطعة سلاح للبوليس.
حادي عشر، المراهنة على خفض نسبة المدمنين على المشروبات الكحولية، من خلال التحفظ على المشروبات الروحية ذات نسبة الكحول العالية.
ثاني عشر، العمل على اعادة تاهيل المدمنين على المشروبات الكحولية و اتباع سياسة متشددة للحد من ترويج المخدرات فهو امر في غاية الاهمية.
اننا نرى بان الوضع في مالمو جدي للغاية، و اننا نبادل اهالي الضحايا و اقاربهم مشاعرهم، و نحن مقتنعون تماما بان جهدا مشتركا لقادر على احداث تغيير جدي في المجتمع السويدي.
نامل منكم التفاعل الايجابي مع مساهمتنا المتواضعة هذه، كرمى اعيون اطفالنا اجيال المستقبل.