أسماء الادباء الروس في محطات مترو موسكو
عندما كنت طالبا في موسكو قبل اكثر من خمسين سنة , كانت هناك محطة مترو نعرفها جميعا اسمها ماياكوفسكايا , ولا زالت هذه المحطة موجودة لحد الان , وتقع طبعا عند تمثال ماياكوفسكي العملاق في الساحة التي تحمل اسمه في قلب موسكو . تعد هذه المحطة من المحطات المتميّزة برشاقتها وجمالها وعمقها, وقد تأسست العام 1938 , ولازالت عالقة في ذهني صورة لهذه المحطة شاهدتها مرّة , وقد اجتمعت فيها القيادة السوفيتية اثناء الحرب العالمية الثانية بقيادة ستالين . تذكرت ذلك عندما كنت قبل ايام في مترو موسكو وانا استمع الى تسميات محطات تحمل اسماء ادباء آخرين , وهي ظاهرة لم تكن واسعة عندما كنت طالبا في تلك الايام الخوالي , وهو ما اود الان ان اكتب عنه , استمرارا لروحية مقالتي السابقة عن تسميات شوارع موسكو التي تحمل اسماء الادباء الروس تقديرا لهم واحتراما لمكانتهم في ضمائر الشعب الروسي , ( انظر مقالتنا بعنوان – شوارع موسكو باسماء الادباء الروس ) .
من المحطات التي لم تكن موجودة آنذاك محطة اسمها ( بوشكينسكايا) , وتقع طبعا عند تمثال بوشكين في ساحة بوشكين امام سينما ( راسيّا ) اي ( روسيا ) , فيا لها من تسميات تكاد ان تكون مترادفة تدخل الى قلب الانسان الروسي بلا اسئذان . وعندما كنت جالسا في عربة المترو , اعلنوا بالميكروفون, انه يمكن للركاب ان ينتقلوا من محطة بوشكينسكايا الى محطة تشيخوفسكايا , فابتسمت وقلت بيني وبين نفسي , ان الذي أطلق هذه التسميات هو متخصص في الادب الروسي حتما , اذ انه يعرف بدقة الوشائج الابداعية التي تربط تشيخوف ببوشكين , بحيث جعل محطتي بوشكينسكايا وتشيخوفسكايا مترابطتين هكذا , مثل حال تشيخوف وبوشكين في مسيرة الادب الروسي ( انظر مقالتنا بعنوان – تشيخوف وبوشكين ) . لقد توجهت خصيصا الى محطة تشيخوفسكايا للاطلاع عليها بدقة كي اعرف لماذا اطلقوا عليها اسم تشيخوف , فوجدت هناك لوحات جدارية تجسّد بعض نتاجات تشيخوف الفنية منقوشة على الجدران بشكل رائع , ولكني فوجئت بتمثال ضخم لغوركي يقف في احدى الممرات المؤدية الى تلك المحطة , وقد استفسرت عن ذلك طبعا , وعلمت ان المدخل الى هذه المحطة كان يقع في شارع غوركي , ولكن عندما أعادوا لهذا الشارع اسمه القديم وهو تفارسكايا ( انظر مقالتنا بعنوان – شوارع موسكو باسماء الادباء الروس ) اطلقوا عليها تسمية – تشيخوفسكايا بعد عملية توسيع شبكة المترو , وتركوا تمثال غوركي في مكانه هناك بذلك المدخل دون تغيير, وهو قرار صائب , اذ ان التمثال هذا جميل وفخم ولا يتعارض مع هارمونية المدخل هذا ابدا , ولهذا أبقوه على حاله رغم تبديل اسم المحطة , ولكني قرأت بعض التعليقات الروسية الساخرة حول ذلك التمثال تنتقد ذلك القرار , منها التعليق الآتي – ( انه تشيخوف ولكن طعمه غوركي !) والتعليق هذا هو لعب بالكلمات الروسية , اذ ان كلمة ( غوركي ) بالروسية معناها ( المرّ). , اي انه تشيخوف ولكن طعمه مرّ.
وعندما كان قطار المترو يسير وبضجيج كالعادة اعلن الميكروفون ان المحطة القادمة ستكون- دستويفسكايا , وهي محطة جديدة نسبيّا تأسست العام 2010 ليس الا , وعلى الرغم من انني كنت متوجّها الى مكان آخر , الا اني قررت ان اخرج من عربة القطار في محطة دستويفسكايا للاطلاع عليها لان التسمية ( الجديدة بالنسبة لي ) اثارت فضولي , واردت ان اعرف وارى بامّ عيني, هل توجد هناك ملامح دستويفسكية هناك , وخرجت فعلا من عربة القطار وأخذت أتأمل تلك المحطة , ففوجئت بصورة هائلة لدستويفسكي في غاية الاتقان والجمال تتصدر جدار المحطة , وهي لوحة مرسومة بالموزاييك تصّور دستويفسكي وهو في حالة تأمل وحزن, وهكذا اقتنعت بصحة التسمية ودقتها, وعدت ادراجي الى عربة القطار القادم الذي وصل بعد ان غادر القطار الذي تركته .
ختاما لهذه النظرة السريعة لتسميات محطات مترو موسكو ,اريد ان أشير الى محطة تحمل اسم تورغينيف لم تكن في زماننا ( الستينات ) وهي محطة تورغينيفسكايا (أرتباطا بساحة تورغينيف ) , وقد تأسست العام 1972 , وهناك محطة جديدة نسبيا تحمل اسم الكاتب المسرحي الروسي في القرن الثامن عشر وهو فانفيزين واسمها – فانفيزنسكايا , وقد تم افتتاحها العام 2016 ليس الا ( ارتباطا بشارع فانفيزين ) . واخيرا , اود ان اذكر , انه كانت في زماننا محطة – ليرمنتوفسكايا , والتي كانت تسمى ( كراسنويي فاروتا ) اي ( البوابات الحمر ) , وقد تم تبديل التسمية عندما افتتحوا تمثال ليرمنتوف قربها في الستينات ( انظر مقالتنا بعنوان – سبع نقاط من الذاكرة حول ليرمنتوف) , ولكن بعد التغييرالجذري الذي حدث في روسيا و(موجة!) العودة الى الاسماء القديمة , تم تغيير تلك التسمية ايضا , وهكذا عادت محطة مترو ليرمنتوفسكايا هذه الى – كراسنويي فاروتا , رغم ان تمثال ليرمنتوف لا زال قائما عند مدخلها .