بدعم من شبكة الاخاء للسلام وحقوق الإنسان صدرت رواية الإرهاب ودمار الحدباء للروائي والشاعر عصمت شاهي دوسكي والرواية رصد ومشاهد حقيقية من خلال معايشة عينية يومية للمؤلف من خلال هجمة داعش القتل والإرهاب والدمار باحتلال مدينة الموصل وهتك واغتصاب وسبي النساء وذبح الأبرياء وتجليدهم وهدم البنى التحتية للمدينة العريقة موطن الأنبياء والمقدسات والحضارات القديمة, وباعتبار داعش عصابة منفلتة عن سلطة القانون والدولة وهم مجاميع غير متجانسة من فلول وبقايا البعث الهدام ولملوم ممن نبذتهم مجتمعاتهم وبلدانهم ومسكونين بالحقد والكراهية لكل مدنية وحضارة وشن الحرب على أهل الحدباء النجباء وفي الحرب يقول المفكر الكبير الراحل مسعود محمد في كتابه “من هموم الحياة ” وهو يصف الحرب قائلا ( يا حرب يا بنت الشياطين الكامن في النفوس , يا رشح الصديد من معدن العماية والغواية والسفه , يا عنوان المروق من القيم والشيم والذمم , يا لعنك الله بإست من قبح ذميم البسته الضراوة والقسوة وتوارت عنه الرحمة بألف حجاب لم استشعر قط فيما اكتب من غثيان كالذي يرج أحشائي خبائنك قلمي والناس ) .
رغم رجوع نينوى إلى حضن الوطن ولكن لا زالوا بعد انتهاء أهوال الحرب … يصف الدكتور جورج حنا في كتابه ” الحقيقة الحضارية ” أحوال الناس بهذه الكلمات ( والناس في عهد ما بعد الحرب قلقون … غير مرتاحين في يومهم , وغير مطمئنين إلى غدهم , الهواجس تركبهم في نهاراتهم ولياليهم ويعيشون بخوف وحذر في ما بين بعضهم البعض وسبب ذلك أن في العالم قوى شريرة , تبذل كل ما في إمكانها من جهود كي تحرم الناس من أن يعيشوا على عقولهم , وتفرض عليهم أن يعيشوا على أعصابهم … وهذه القوى الشريرة هي التي تنفث السموم بين الناس وهي التي تذكي الحقد بينهم وهي التي تحول دون توحيد مفاهيم الخير , والشر عند هذا الكائن الأعلى بين الأحياء المسمى إنسانا وهي التي تحاول أن تجعل الحق باطلا والباطل حقا وهي التي تكرس دعايتها لمنع الناس من معرفة الحقيقة لأنها تخشى من أن تفضحها الحقيقة …
إن الإنسان كائن اجتماعي واجتماعية الإنسان تخلق فيه الإرادة بان يتعايش مع غيره من البشر تعايشا إنسانيا فالقوانين إذا ما فرضت عليه أن يتباغض مع الآخرين … والتقاليد إذا ما فرضت عليه أن يستعلي على الآخرين … والشرائع إذا ما فرضت عليه بغير ما له العقل الخلاق … فهذه القوانين , وهذه التقاليد , وهذه الشرائع , اقل ما يقال فيها إنها فاسدة في ذاتها ومفسدة لسليقة الإنسان الطيبة ) .
وكتب عصمت شاهين دوسكي في روايته فصول مأساوية لما جرى في مدينته الذي فتح فيه عينيه ليتعلم حروف الكلمة وهو طفل صغير ويترعرع في ربوعها .. كتب عن الحرب داخل الحدباء من وجود داعش .. وليست روايته عن الحرب هي الأولى في هذا الميدان فقد سبقه في ذلك كتاب عالميين معروفين كبار ونشرت كتاباتهم بلغات مختلفة مترجمة وهذه واحدة من تلك الكتابات وهي رواية ” قريتي في ظل الألمان ” للروائي جان لويس بوري وهي القصة الفائزة بجائزة جنكور في فرنسا ويقول جان عندما احتل الألمان فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية اشتعلت المقاومة ضد النازي بكل أشكالها الشعبية والأدبية والفكرية وما تزال لهذه المقاومة آثارها على الفكر السياسي والأدبي ليس في فرنسا وحدها بل في كل أنحاء العالم فيما يتصل بحركاته السياسية المعاصرة ولقد كانت رواية جان لويس بوري ” قريتي في ظل الألمان ” من أول الأعمال الأدبية التي تمثلت المقاومة وعبرت عنها وبهذا فهي فضلا عن قيمتها التي استحق صاحبها من اجلها جائزة جنكور عام 1945م تعد تصويرا صادقا لحالة الشعب الفرنسي ولحياته اليومية منذ بداية الاحتلال حتى تم النصر على النازية وقد استخدم بوري أسلوبا متميزا يعتمد الحوار الداخلي لشخصيات الرواية …
ومن الجانب الآخر من فرنسا كتب الكاتب والروائي الألماني ” اريك ماريا ريمارك ” ترجمة سمير التنداوي رواية ” للحب وقت وللموت وقت ” وبجزأين كما صدرت له بعد ذلك روايته المشهورة ” لا جديد في الميدان الغربي ” والتي نجحت نجاحا كبيرا في عام 1929م مما جعلها تحتل المكان الأول في الأدب الألماني كما صورت الرواية بعد ذلك في عام 1931م كفلم ثم ترجمت إلى معظم اللغات الحية وتحكي الرواية أحوال الحرب بأسلوب واقعي مبينةً آلام الشباب والدمار الروحي والتحطيم النفسي الذي تعرض له حتى أصبح يطلق على أمثالهم الجيل الضائع . إن أدب الحرب كله لا يمكن تصوير مدلولها وبشاعة هذا المدلول ويستطرد ريمارك الألماني ويقول ( إن من يأخذ الحرب كتجربة بمعنى ذلك انه لم يجربها ومن فهم الحرب لا يستطيع الإحاطة بها … فقد كانت هناك ملايين لم تقتصر على مجرد المعاناة من خطر الموت والدمار والعوز بل رأت شيئا آخر شيئا لم يفهموه ولم يعرفوا اسمه إلا إنهم أحسوا إن هذا الشيء قد قلب حياتهم كلها .. عرفوا فقط بعد أن رأوا وخبروا هذا (الجحيم) إن حياتهم لا يمكن أن تستمر على ما كانت عليه ولكن كيف تتغير والى أين تتجه؟ إن هذا كله لم يعرفوه؟ فمن أراد أن يصور الحرب على إنها دماء ونيران … فهو غبي؟ ومن أراد أن يصور الحب على انه قبلات … فهو أيضا غبي) فالحرب معناه قلب فارغ .. معناه لا أم ولا أب ولا بيت معناها لا اسم ولا وجه هذا ما أراده ريمارك قوله في روايته .. وتجربة عصمت شاهين الدوسكي لا تختلف عن تجربة كبار الأدباء العالميين أمثال جان لويس بوري في ” قريتي في ظل الألمان ” واريك ماريا ريمارك الألماني صاحب رواية ” للحب وقت وللموت وقت ” … وفي لقاء الدوسكي في روايته ” الإرهاب ودمار الحدباء ” مع خالد ديريك يتحدث ويقول ( بان روايته أحداث واقعية حدثت على ارض الواقع وهي رواية توثيق أدبي مهم لمرحلة مأساوية مرت علي شخصيا وعلى مدينة الموصل وأهل الموصل ) …. والفكرة أتت من خلال التواصل عبر الفيس بوك مع صديقي الأديب احمد لفته علي وبعد مناقشات مكثفة كتبت الرواية وتتضمن الرواية عشرة فصول كل فصل له خصوصيته وفي نفس الوقت مرونته لما بعد – (( قبل البداية – من وراء الحدود – دهوك المنطقة الآمنة – احتلال الموصل – منهج ورؤية – الانكسار – إعلان ساعة الصفر – دمار البيت – البحث عن مكان – رحلة بلا نهاية )) وفكرة الرواية عالمية والتوثيق بشكل سردي أدبي دقيق يعطي دافعا قويا في التأثير والاستفادة من مضامينها الجوهرية وهي رسالة عالمية إنسانية .
ومع الأسف الشديد لم تأخذ مثل هذه الرواية المهمة الاهتمام الكبير لا من قبل الحكومة المركزية ولا من حكومة إقليم كورستان ولا من المحافظة التي ينتمي لها الروائي – الموصل مسكنا وعيشا ولا من الجهات الثقافية … ما عدا شبكة الأخاء للسلام وحقوق الإنسان و رئيسها الكاتب القدير سردار سنجاري الذي فتح الباب واسعا في طبع الرواية وأتاحت مساحة واسعة لإقامة المحاضرات للمؤلف .
ويبدو لي إن المسائل الإعلامية الجادة غير الحزبية لا يلقى الاهتمام الجاد والتي تصل حد العدم في بلاد وادي الرافدين .. أما الأمور التافهة الترفيهية الرخيصة هي الرائجة ويسلط عليها الأضواء …ويقدم للقراء أمام الجوهر الأصيل ويبقى جوهرا كاسدا ويسدل عليها الستار والصمت المطبق … وهنا لا يبقى إلا المناشدة والدعوة والمنادات مطلوبة وبإلحاح للمبدعين أمثال عصمت شاهين الدوسكي المتعدد المواهب كشاعر وناقد وكاتب وروائي ولكن هل من مجيب للنداء …..؟؟؟!!!