ألوان ….25 أسطورة !
( هم بالرحيل، سار خطوتين فصاحت به
–توقف، سأجعلك تعرف ما هي الالوان.
وقفت أمامه، قربت وجهها من وجهه، هبت نسمة فاترة، مسكت خصلة من شعرها و رمتها على أنفه، فتسرب عطر شعرها إلى صدره، تسارع نبض قلبه، وضعت يدها على وجهه، لثمت شفتيه بحنو بالغ و قالت:
–ماذا تشعر؟!
–أجاب بقلب منتفض ورئة لاهثة ..شيء ما يتحرك في صدري.
–هذا هو اللون الاحمر.
دفعته بقوة حتى كاد ان يقع، صرخت بوجهه..أيها الضرير البائس .
ثم قالت بصوت حاد كشفرة
– و الان ماذا تشعر
–أشعر أنك حقيرة .قالها بغضب
فردت بثقة
–هذا هو اللون الاصفر.
جلست قربه وضعت راحتها على رأسه مسدت شعره وقالت بحنان..أستمع الى زقزقة ذلك العصفور البعيد.
–و الان ماذا تشعر.
– السكينة. رد بهدوء .
قالت بفرح…و هذا هو اللون الازرق
نظرت إلى جلسته تلك فثارت عاطفة بداخلها لحاله فبكت صادقة.و نزلت دمعة حارة بللت يديه، شعر بها ، رفع يده إلى خدها تحسس دمعها فقال:
–أتبكين لحالي؟.. الحق يا سيدتي لا أعرف ما هو شعوري الان؟!
ضحكت فخالطت دمعها بضحكها و قالت:
-هذا هو اللون الابيض )
ألوان , أدهم عادل, ص9-17
حينما يجتمع كل ما نفتقده في أدب أيامنا هذه بين جلدي كتاب واحد من غموض ,أثارة و عنصر التشويق.
ألوان النتاج الأدبي الخامس للشاعر و القاص ” كما يحق أن نسميه بعد قراءتنا لهذا الكتاب ” أدهم عادل و الذي صدر مؤخراً عن دار سطور للطباعة و النشر و التوزيع في بغداد.
هذا الكتاب يمكن ان يُنعت بالبوابة السحرية لروح كل من يقتنيه حيث يُدخله بمتاهات إنفعالات متضاربة في آن واحد , لا تنهيه إلا و قد خضت تجارب عديدة , و أختلجت في داخلك أحاسيس متداخلة مابين بهجة , حزن , حب , كره , عزلة , وحدة , و أغتراب..الخ و كأن متضادات الوجود قد جُمعت في مئة و اثنتي عشر صفحة !
يتضمن الكتاب 25 قصة قصيرة تناولها الكاتب بلغة رمزية أساطيرية تعيدنا إلى خمسة الاف عام مضت و كأننا نمسك بحزمة من الرقم الطينية المتآكلة و نحن نغوص متنقلين من حكاية الى أخرى , ما بين حديث رجل السماء و انتهاءاً بمدينة تخلوا من البشر دون أن تفارقنا الدهشة و الأخيلة الحالمة..
حتى نستيقظ على كلمة حب أخيرة يسطرها الكاتب جاعلا منها تعويذة ساحرة على غرار تمائم آلهة سومر. موشماً بها قلوب قراءه .
” أن الحب هو الخلاص. هو الشمعة الأخيرة التي تمسك الرياح من شعرها . هو الغيمة الوحيدة التي يرتديها الحقل. هو الشمس التي لا ترتعب من الليل فتختبيء في الغروب. هو الطريق الذي رسمه الله لنا بالنور و الجمال و الأمل و التسامح ,فأنا مثلا قبل أن أحب كنت غولا بمخالب كبيرة و أنياب طويلة , أسكن الكهوف و لا أرتدي الملابس. ألتهم الضفادع و أشرب الماء من المستنقعات. و عندما أحببت إمرأة فإنها أخرجتني من المياه الآسنة , غسلت شعري , قلمت أظافري, مسحت وجهي من الغبار و قبلت جبيني. ألبستني من الأزهار ثوبا . صنعت لي وشما في صدري ثم أجلستني في حجرها و عملت لي ضفيرة طويلة فأصبحت شاعراً …”