بيروت- منتدى تحوّلات /خاص
في ختام مداخلته الموسومة ” الإسلام دين علماني ” قال الدكتور عصام نعمان الوزير والنائب السابق إن اقتراحاً استثنائياً يود طرحه على منتدى تحوّلات والمحاضرون والمجتمعون، وهو قراءة السيرة الذاتية المتميّزة للدكتور شعبان التي أعدّتها الحركة الثقافية في انطلياس بمناسبة تكريمه العام 2017، وأردف: كم هو ثمين وغني ومشرق وليس كثير عليه أن نرشحه لنيل جائزة نوبل ، كونه مفكراً رائداً ومناضلاً ميدانياً من أجل حقوق الإنسان والسلام والعدل واللّاعنف والتسامح والجمال.
وقد تفاعل معه الدكتور جورج جبور المستشار الأسبق لرئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الأسد للأبحاث والدراسات، بتأييد الاقتراح والدعوة للمضي فيه وكان قد سبق له القول أن شعبان انتقل من الدائرة العراقية والعربية إلى الدائرة الإقليمية ومنها إلى الدائرة العالمية ليصبح شخصية كونية، وهو يستحق بما قدمه من جهد وفكر ونضال هذه الجائزة. جاء ذلك في ندوة نظمها منتدى تحوّلات في مركز ” الألف” لمناسبة مناقشة كتاب “الإمام الحسني البغدادي – مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن”.
وقد افتتح الندوة سماحة الشيخ حسين شحادة، المفكر الإسلامي وأمين عام ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار الذي أشاد بدور المفكر شعبان وجهده وأهمية كتابه الذي توقف عنده من خلال ظلاميتين الأولى- الظلامية الدينية التي سبقت الاحتلال، والثانية– ظلامية التفسير الآحادي التي أصابت العرب بالجمود والتصحّر والجفاف في ظل صراع آيديولوجي محفوف بالإلغاء والإقصاء والتهميش. وقال إن كتاب شعبان لا يبحث في الماضي، بل يدعونا للتغيير “من قفا نبكي” إلى “قفا نفكّر”، وتوقّف عند النجف مدينة الجدل والحوار حيث يُطرح سؤال الحرية وسؤال الوحدة، لافتا النظر إلى الشخصية الإشكالية ونعني به الحسني البغدادي. وقال لقد رسم شعبان لنا خارطة طريق وأعاد طرح أسئلة النهضة الأولى التي ما تزال راهنة، خصوصاً بالاحتكام إلى مرجعية العقل، وضرورة المراجعة النقدية وتصحيح نظر الماركسية بالظاهرة الدينية.
وأضاف الشيخ شحادة: أصافح شعبان ولا أكاد أختلف معه في ضرورة البحث عن موجبات تحرير الدين والماركسية من صنمية العلاقة، ورد الاعتبار للإنسان لأنه هو المقياس لكل نهضة أمة، وأضاف على إيقاعاته إن الحرية الدينية الأساس والمدخل الحقيقي لسسيولوجيا الدين والتديّن، وإن المشكلة هي مع الدين ومع التديّن، والصراع ليس حول قيم السماء، بل حول قيم الأرض.
وكان الدكتور عصام نعمان قد أشار إلى أنه ” لا اكتم القارئ أنني شديد الإعجاب بأسلوب شعبان في التحرّي عن المشتركات في طروحات الإسلاميين وطروحات التقدميين، متدينين وغير متدينين، وأشاطره الرأي في معظم ما أبداه من آراء أو باشره من مقاربات، ولا أعتبر نفسي متطفلاً إن أفصحتُ بدوري عن مقاربات مماثلة في هذا السبيل، ولاسيّما لجهة العلاقة الإشكالية بين الإسلام والعلمانية.”
وجاء في كلمة الدكتور جورج جبور: لعلّ كتاب الدكتور شعبان الجديد هو الألصق، من بين عديد كتبه، بالتراث الفكري الذي تشربه في بيئته العائلية … وكثيرا ما خاض في تفاصيل وضع اليسار في العراق، أحبّ أن يسلط الضوء على الدين والتدين من خلال التأريخ للإمام الحسني البغدادي، والاهتمام بتراثه الفكري.
وأشار الأستاذ سعد محيو الكاتب والإعلامي في كلمته، التي أرسلها مكتوبة حيث تعذر حضوره بسبب مرضه المفاجئ، إلى أن هذا الكتاب شكّل مفاجأة لنا. فها هو مفكّر ماركسي علماني كبير يتقدّم الصفوف للدعوة إلى إغلاق صفحة الشقاق والصراع بين الفكرين اليساري والديني، إنطلاقاً من الاعتراف بحاجة الناس الروحية إلى الدين، ومن مساهمة رجال دين، في مقدمهم الإمام الحسني البغدادي، وهو عنوان الكتاب، في النضالات التحررية والقومية في المنطقة.
وحين طُلِبَ من الدكتور شعبان اعتلاء المنصة قال بخجل شديد وتواضع جم : أشعر أنني محرج وقلق للغاية، بل إنني شديد الحيرة بكل ما لهذه الكلمة من معاني ودلالات، وإذْ أشكر الزملاء في ما قدموني به استميحكم العذر بما أستحقّه ولا أستحقه ، وأشار إلى أنه يقتفي أثر ابن عربي: الهدى في الحيرة والحيرة حركة والحركة حياة.
ثم تناول جدلية النجف بما فيها حوزتها الدينية مشيراً إلى أن مفتاح كل إصلاح هو الفكر الديني حسب هوبز، لافتاً النظر إلى أن كتابه عن الحسني البغدادي وحفيده السيد أحمد الحسني البغدادي يسلط الضوء على العلاقة المركّبة والمزدوجة بين الديني والسياسي والديني والسلطوي والديني والديني، لأن ثمة فهم غير موحد للدين الذي اعتبره يمثل قيماً إنسانية مشتركة وهي الجامع مع فلسفات وأفكار ذات نزعة إنسانية، فهناك فوارق بين الدين الرسمي والدين الشعبي، مثلما هناك اختلافات جوهرية بين دين الفقراء دين الأغنياء وبين دين المستغِلين ودين المستغَلين ودين التعصّب والتطرّف والعنف والإرهاب ودين التسامح والسلام والمحبة والإنسانية.
وقال إن المراجعة ضرورية وهي فرض عين وليس فرض كفاية، والمهم هو الوصول إلى الحقيقة وحسب أفلاطون يجب أن تذهب إلى الحقيقة بكل روحك، وقال إن العقل أساس الدين ولذلك فهو يدعو لدين العقل وليس لدين الخرافة، والاجتهاد أساس العقل، وقد تتعدد الطرق إلى الحقيقة بتعدد السالكين حسب ابن عربي، وكلما كان الطريق إلى الله جميلاً ازداد الإنسان جمالاً وطمأنينة، والدين قناعة وراحة وأمان، وذلك هو الإيمان الحقيقي وليس القتل والإرهاب والعنف.
وقارن شعبان بيننا وبين اليابان حيث لا يوجد إله واحد، بل آلهة متعددة وهم ليسوا معنيين بالجنة والنار ولا يخشون من العقاب ولا ينتظرون مكافأة من الله، لكنهم مسالمون وأكثر احتراماً للقانون والنظام وأقل تعصباً وتطرّفاً وعنفاً وإرهاباً، وأبعد عن الفساد المستشري في العالمين العربي والإسلامي.
وقد أدارت عالمة الاجتماع، الدكتورة رفيف صيداوي الأكاديمية والباحثة في مؤسسة الفكر العربي، الندوة التي ضمّت نخبة من المفكرين والباحثين والمختصين وجمهوراً مهتماً بقضايا الحوار والتواصل. وجاء في كلمتها التقديمية : في قراءتِه السوسيولوجيّةِ للدّين والتديّن، انطلق الدكتور عبد الحسين شعبان من مسار السيّد الحسني البغدادي، ولم يكُن ذلك بهدف دراسة سيرتِه الذاتيّة، بل بوصفه وجهاً من وجوه مرحلةٍ من تاريخ العراق، التي تعكس تداخُلَ الساحة السياسيّة والفكريّة والعقليّة والدينيّة، محاولاً كما يقول في مقدمة كِتابه: “تقديم قراءة للمشهد السائد في عهده من خلال النقد والنقد الذاتي للعلاقة المركّبة والمزدوجة والمتناقضة بين السياسي والديني وبين الديني والسلطوي”.