لمَ لا تسموا أرواحنا ؟!
يكمن السبب الرئيسي في عدم نمو المجتمعات الجمعية روحياً و عدم نضجها نفسياً الى عامل مهم هو إنعدام الفردانية بين أعضاء المجتمع , كما هو الحال في المجتمعات العربية ذات الطابع الجمعي الذي يميز نمط العلاقات بين أفرادها.
ففي مثل هذه التجمعات البشرية التي يحكمها العرف و التقليد و السائد , المكتظة بالقضاة و المحاكم المنصوبة على الدوام تأهباً لأصدار العقوبات بحق من يحيد خارج نطاق ما حددته تابواتها و معتقداتها و قيمها المتفق على صوابها رغم اللامنطقية التي تكتنفها.
تجعل من إصدار الأحكام و توجيه اللوم و ما يولدانه من شعور عميق بالذنب ينخر عقول الناس , عائقاً لا مفر منه أمام متابعة الفرد لمساره الروحي ما يؤدي به للتحول إلى نسخة من الأجداد حفاظاً على أسقراره النفسي الوهمي !
كي ننمو روحياً ينبغي علينا خوض التجارب فردياً لا جمعياً , فلكل فرد سبيله الروحي الخاص به دون غيره من الناس , لكن في المجتمعات الجمعية ذات تابو المثالية المطلقة اللامنطقية , الفرد مطالب للسير في الطريق المرسوم منذ الاف السنين من قبل أسلافه دون أن يُمنح الحق شعورياً أو لا شعورياً بالتغيير .
لذا فالكثير من الحلول الجاهزة بدءاً من النظريات المُفسرة لمراحل نمو الأنسان و إنتهاءاً بمؤلفات سبل السَير الروحية المستوردة من المجتمعات ذات الطابع الفرداني لا تعطي مفعولها إذا ما طُبقت على حيوات أفراد هذه المجتمعات الجمعية , ببساطة لأن الفرد في هذه الجماعات لا يملك حياة خاصة يمكن أن يتبع فيها نظم و قواعد السلوك الفردي فهو يحيا سنوات عمره بأكملها مشاركاً القطيع في السير وفق ما خُط لهم من طريق.
أما أذا ما نوينا حقاً الأرتقاء و أستئناف عملية النمو و التطور الطبيعية لمنظومتنا الروحية ما علينا إلا إستعادة تلك الفردانية و الألقاء بكم الأحمال المُثقلة لأنفسنا , ينبغي علينا إستئصال كل تلك التابوات ذات صبغة القدسية اللاواقعية من إذهاننا .
أن نحاول إستعادة حريتنا المُصادرة , و تكسير سلاسل الأفكار اللامرئية المُسيرة لوعينا اليومي الزائف . أن نتحلى بالشجاعة لهدم أصنام تستعبدنا رغم إنتفاء قوتها و نستمر بدورنا بتبجيلها طلباً لراحة لا و لن نستحصلها ما لم نزيح تلك الأحجار التي لطالما حجبت عنا نور الحقائق المُجردة من شوائب التقليد و السائد المغلوط.
أن نغفر , نسامح , ننسى , و نتغاضى عما ندعوه ظلماً (تبعاً لأحكام سابقة مبنية على مقارنات سطحية سلوكاً خاطئاً ) , ذنباً لا يغتفر , خطيئة يستحق أن تنهى حياة إنسان بسببها.
أن نعي بأن الأخر ليس شيئاً أو آلة عليه السير بما رسمناه له في أدمغتنا من مسارات نعتقد بصوابها و ما عداها فهي جُرم لا يُقبل , بل ما هو إلا روحٌ لها مسارها الخاص , تجربتها و رسالتها التي يجب تأديتها .
تعطيلنا لهذا القانون الكوني و تدخلنا المستمر في مسارات بعضنا البعض أدى بنا إلى توالد أمم من الجمود و اللاأنتاجية , أمم من التقليد و اللاأصالة , أمم من الثرثرة خوفاً من صمت مليء بحقائق عصية على مستوى وعينا الذي أطفأناه برماد الخوف دون أن نمنح فجره فرصة الأنبلاج حتى بتنا بصمات بتعرجات متماثلة !!