يعد مفهوم التعددية (البلورالية الدينية) من المفاهيم التي ظهرت في الحقبة المتأخرة من التاريخ الانساني نتيجة تعدد الثقافات واللغات والانفتاح على الاخر المختلف , فقد ادى ذلك الى الحاجة الملحة للتعرف على الثقافات الأخرى والخروج من المفهوم الحصري والاحادي , وبسبب التحولات الثقافية والاجتماعية والعلمية ظهرت الحركات النقدية العقلية .ودشنت هذه الحركات مقولة الاعتراف بمبدأ التعددية الدينية والتي تتكأ على التجديد و التخلي عن التفسير الديني التقليدي , لان اصحاب الدين التقليدي لا يقوم تفسيرهم للنصوص الدينة على اساس الارادة الحرة والاختيار العقلي بل على اساس الولائية المذهبية وما تفرضه عليهم البيئة الاجتماعية من قيود وحدود عقائدية عرفية , فديننا هو دين ابائنا وهو دين البيئة التي نشائنا فيها, ولكن بعد تطور المجتمعات في العصور الحديثة وتنوع الثقافات والعلوم ادى بذلك الى الاقرار بامتلاك الفرد عقلا مفكرا ومستقلا ومجهز تجهيزا كاملا منذ الولادة ومن خلاله يستطيع ادراك الصواب بعيدا عن أي ضغط بيئي او مؤثر اجتماعي , فأصبح مفهوم البلورالية الدينية اكثر نضوجا واوضح رؤية على اثر ذلك , وقد اهتم بعض المفكرين الاسلاميين بمقولة التعددية سواء على الصعيد الديني او المجتمعي حيث دعا سروش الى ضرورة الاعتراف بالبلورالية الدينية سواء على الصعيد الديني او المجتمعي بغية تنمية الحوار بين المذاهب في الدين الواحد من جهة وبين الاديان من جهة اخرى , لان التعددية الدينية تؤمن وتعترف بحقانية الفرق والاديان الاخرى وتترفع عن الاعتقادات الجزمية والانحصار داخل دائرة الدين الواحد لتتمحور حول الذات لأجل الخروج من التمحور حول الحقيقة الواحدة .لان تطور المعرفة البشرية تؤدي الى تعدد الفهم بالضرورة , ومن ضمنها التعدد في فهم النصوص الدينية , وهذه تعد من اعمال العقل لأنه الاداة الاساسية في استنطاق النصوص الدينية بالإضافة الى اشتغاله في تأويل المتون الدينية وفق ما يتناسب مع التحولات الزمكانية , وبما ان الفهم البشري قابل للقبض والبسط والذي يقود منطقيا الى تعدد المفاهيم للمتون الدينية فليس هنالك تلقي مباشر للمعاني بل هنالك تعدد في الدلالات حيث ان التجربة الواحدة تؤدي الى تعدد التأويلات والمقولات (المصطلحات او التصنيفات) التي يسبغها صاحب التجربة على تجربته , فتتخذ التجربة وفقا لكل تأويل ومقولة معنى وحقيقه خاصين . فكما يقول القديس توما الاكويني (المعرفة هي بحسب نمط العارف) وبصيغة (كانطية) اوضح وهي لا يمكن تفسير التجربة الا حين تتموضع داخل بنية ذهنية مسبقة وتندرج تحت تصنيف منطقي او مقولي يعتمده صاحب التجربة, فالذات المفكرة هي سابقة على المعطيات التجريبية . وهذا لا يعني انها مستغنية عن المعطيات التجريبية ولكن عملية التفسير تتم وفق ما يتناسب مع المقولات الاولية فالصور الاولية تؤطر وتنظم ما يصل اليها من الحواس , بمعنى ان التجربة المحصلة مسبوقة ببنية ادراكية سابقة عليها في ذات المدرك .يتم من خلالها تصنيف واضفاء المعنى على التجربة وعلية فان معنى وقيمة المعرفة الدينية لا تختلف عن المعارف البشرية , وهذا يعني ان توصيف ايه تجربة بكونها حسية او اخلاقية او دينية يعود ذلك الى صاحب التجربة لا الى الموضع المختبر او المحتك به فليس هنالك قوالب ادراك كونية بل ان هذه القوالب الادراكية هي متغيرة ونسبية ومتعددة والمرجع في تكوينها وبنيتها هو الاطار الثقافي والبيئة والحضارية الحاضنة وايضا قواعد العلاقات داخل المجتمع .وبالتالي علينا الاعتراف بان التعددية الدينية هي حقيقة واقعية قائمة بذاتها ومن المستحيل ان تكون قابلة للاختزال الى فهم واحد .ويعتقد هيك اذا كان هناك تاريخ خلاص للمسيحية فهنالك ايضا تواريخ خلاص في امكنة اخرى تجعل لله اسماء متعددة وهويات مختلفة وتجعله يعمل بكل ثقافة بطريقة مختلفة ولا بد لنا الاعتراف بالتعددية داخل الدين الواحد ايضا ففي الدين الاسلامي هنالك روايات عديدة تشير الى التعددية فإحداهن تقول ان للقران له بطون عدة ( معاني متعددة للألفاظ ) وهذا يعني ان المتون الدينية لا يمكن اختزالها في تفسير واحد ونعتبره هو الحقيقة الشاملة .فعملية تفسير المتون هو من وظائف قوى الادراك العقلي ولا يمكن للعقل ان يتجاوز مؤثرات المعارف البشرية المكتسبة , فيشير سروش في كتاب الصراطات المستقية (ان فهم النص الديني ليس له مدلول واضح وجلي وهو عدم وجود تفسير رسمي للدين )بمعنى ان المعرفة الدينية هي كباقي المعارف البشرية فليس هنالك فهم ديني غير قابل للنقد والتمحيص والمراجعة فيعتبر جون هيك ان في كل دين هنالك قديسون وخطأه , وضمن اتباع كل دين هنالك مزيج من الخير والشر كما ان الفضيلة والخطيئة تنتشر بنحو متساو بين الناس بغض النظر عن كونهم مسيحيين او مسلمين او يهود او هندوس او بوذيين او سيخ , وهذا ما اشار اليه سروش في فلسفته على ان فكرة الخلاص او النجاة محددة في فئة معينة من البشر هي فكرة خاطئة فالحق غير محصور في دين او فرقة معينة وبالتالي هم من يعتبرون انفسهم الفرقة الناجية او هم اصحاب الدين الحق . فمنهج التعددية الدينية قائم على الاعتراف بحقانية جميع الديانات على اختلاف لغتها وبيئتها وممارساتها العبادية والنظم الدينية لانها تشترك في جوهر واحد هو الاقرار الذاتي بالحقيقة المطلقة سواء كانت هذه الحقيقة مشخصة كما هي في الديانات التوحيدية او غير مشخصة كما هي في الديانات الشرقية فيشير هيك الى تعدد الصور الالهية في الاديان ان صور الله في الاديان ما هي الا انعكاس لوعي بشري متعدد بحقيقة واحدة هي حقيقة الله بمعنى ان التعددية الدينية ليس في اصل الدين فالدين له بعدان بعد خارجي وداخلي وهذا التفريق مأخوذ من فلسفة كانط بين الشيء في ذاته وبين الشيء كما يظهر لنا فالبعد الباطني هو الايمان ويعبر عن علاقة الفرد بالحقيقة الالهية العليا والتي لا يمكن معرفتها واحتوائها والبعد الخارجي هو يتمثل بمجموعه التقاليد والثقافات والمؤسسات والعادات والقوانين وهو دائم التغير الى انه غير منفصل عن البعد الاول فمن خلاله يسمح للتجربة الباطنية بالظهور عن طريق المفاهيم والتصورات السائدة . فالهداية الإلهية غير مختصة بدين معين بل هي تشمل جميع الاديان اذن ان التعددية الدينية هي حقيقة واقعية قائمة بذاتها كما لا يمكن إنكار ان هنالك تعددية ثقافية واجتماعية.