جدانوف و الجدانوفية في الادب الروسي
ولد اندريه الكساندرفيتش جدانوف العام 1896 في الامبراطورية الروسية , وتوفي العام 1948 في الاتحاد السوفيتي . التحق عام 1910 ( كان عمره 14 سنة ) للدراسة في مدرسة للتأهيل المهني وتخرج فيها عام 1915 ( وهذا هو كل تحصيله العلمي طوال حياته , التي امتدت 52 سنة فقط !!!), وتم تدريبه في الخدمة الالزامية عام 1916 ( كانت الحرب العالمية الاولى مستعرة منذ 1914 كما هو معروف , وكانت الامبراطورية الروسية مشاركة فيها ) .
انضم جدانوف الى صفوف الحزب الشيوعي منذ كان عمره 15 عاما , واصبح عضو لجنة محلية في الحزب عام 1917 عندما سقطت الامبراطورية الروسية وانتصرت ثورة اكتوبر 1917, وأخذ يعمل في الصحف الحزبية المحلية التي كانت تصدر في منطقته مثل ( الفلاح والعامل ) و ( الطريق نحو الكومونة ) و ( أخبار الشيوعية )…الخ , ثم انتقل للعمل في لجان الدعاية الحزبية بمختلف اقسامها وفروعها وطبيعتها, وأخذ يتقدم بالتدريج في صفوف الحزب عن هذا الطريق , الى ان وصل الى المساهمة بعدئذ في أعمال اللجان الخاصة بالاعداد لكتاب – التاريخ الوجيز للحزب الشيوعي البلشفي , وهو اول وثيقة يصدرها الحزب عن تاريخه , و الذي كان يجري الاعداد لها باشراف مباشر من قبل ستالين نفسه , والذي ثبّت فيه ستالين – كما هو معروف – نظرته الشخصية الذاتية البحتة الى الحزب وتاريخه ومسيرته واحداثه ورجالاته ومواقعهم ودورهم , وهكذا وصل جدانوف الى المشاركة باعمال المؤتمر التاسيسي لاتحاد الادباء السوفيت , والذي انعقد العام 1934 في موسكو, وجلس في منصة ذلك المؤتمر العتيد جنبا لجنب مع مكسيم غوركي , اذ كان ينفّذ في ذلك المؤتمر رأي الحزب الصارم والدقيق ( والذي يعني رأي ستالين بالضبط ) بشأن ما يجب كتابته وما لا يجب كتابته من قبل الادباء , رغم انه ( اي جدانوف) لم يكتب اي شئ في الادب , بل ولم تكن له اي علاقة بالادب اصلا. وفي هذا العام ايضا ( اي 1934) تم اغتيال كيروف – سكرتير لجنة لينينغراد للحزب الشيوعي ( لازالت القضية مجهولة لحد الان , وهناك أقاويل كثيرة عن ذلك ولا مجال للحديث عنها هنا ) , ولم يجد ستالين أفضل من جدانوف ليحل محل كيروف , وقد تطورت العلاقات بينهما لدرجة ان ستالين أصرّ ان تتزوج ابنته سفيتلانا ( التي هربت من الاتحاد السوفيتي بعدئذ) من ابن جدانوف, ويقال ان ستالين حتى أجبرها ان تنفصل عن زوجها الاول من اجل ذلك , وهكذا اصبحا ( ستالين وجدانوف) أقارب . واستمرت مسيرة جدانوف في الحزب صعودا واصبح عضوا في المكتب السياسي , وهو اعلى هيئة ادارية في تنظيمات الحزب كما هو معروف.
صدر لجدانوف اثناء حياته عدة كتيبات لا غير, هي في الواقع خطابات ألقاها باسم الحزب في مناسبات مختلفة , وكانت تحتوي على قرارات وتوصيات اتخذها الحزب رسميا, ومع المفاهيم والاستنتاجات التي جاءت في تلك الخطابات وتبلورت
بعدئذ , ارتبط اسم جدانوف في تاريخ الادب الروسي , وولد ايضا مصطلح الجدانوفية في الادب العالمي .
هناك ثلاث خطابات ترتبط بالادب بشكل او بآخر, الخطاب الاول كان في المؤتمر التأسيسي الاول لاتحاد الادباء السوفيت , والذي حدد مفهوم الواقعية الاشتراكية باعتبارها منطلق كل النتاجات الادبية والفنية في الاتحاد السوفيتي ( انظر مقالتنا بعنوان – غوركي وستالين والواقعية الاشتراكية ) , والخطاب الآخر ألقاه جدانوف اثناء مناقشة كتاب بعنوان – تاريخ الفلسفة الاوربية الغربية , اما الخطاب الثالث , وهو الاهم بين كل تلك الخطابات , فقد كان عن مجلة ( النجم ) , ومجلة ( لينينغراد) . في هذا الخطاب جاءت تلك الاحكام المشهورة لحد الآن حول الشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا ( التي قال عنها انها بعيدة عن الشعب بشكل مطلق ), وحول االقاص الروسي زوشينكو ( الذي قال عنه انه ضمن قوى الظلام الرجعية في السياسة والفن ).
يتفهم الانسان الروسي ويعرف بشكل جيد , ان الآراء التي تحدث عنها جدانوف تعود الى ستالين شخصيا , وان جدانوف هو احد تابعيه (المخلصين!) ليس الا , الذين كانوا يؤيدونه بشكل مطلق ودون تحفّظ في كل شئ, ويذكرني ببعض الشخصيات العراقية الباهتة , الذين كانوا يطبّلون للقائد الضرورة في تلك الايام بمناسبة وبغير مناسبة , مثل (وزير التعليم العالي والبحث العلمي!!) , الذي استدعانا مرة ( كل اساتذة جامعتي بغداد والمستنصرية) الى اجتماع عاجل في القاعة الكبرى للجامعة المستنصرية وألقى امامنا خطابا قال فيه , ان صدام حسين ( نبيّ) , ثم أردف – ( أستغفر الله , ولكني لا أجد غير كلمة نبيّ يمكن ان تصفه بشكل صحيح !) .
جدانوف من هذا القبيل , وقد تم نسيانه بعد موت ستالين , ولم يظهر في الاتحاد السوفيتي مصطلح الجدانوفية بتاتا , وانما ظهر هذا المصطلح في الغرب , وهو نتاج الحرب الباردة طبعا , وقد ( تسرب!!) الينا من هناك ليس الا , وتلاشى بالتدريج في الغرب وعندنا ايضا, لانه غير صحيح وغير موضوعي بتاتا .
ختاما , نود الاشارة الى قرار اتخذه الحزب الشيوعي السوفيتي العام1989 حول جدانوف , وجاء فيه ( ..انه واحد من منظمي القمع الجماهيري في الثلاثينات والاربعينات .. وانه يتحمّل المسؤولية مع الآخرين على ما جرى في تلك الفترة من أعمال اجرامية ..) , وقد قرر الحزب رفع اسمه من كافة الاماكن والمؤسسات التي تم اطلاق اسمه عليها في الاتحاد السوفيتي ..