د. عبد الحسين شعبان يروي أسرار حياته
نشرت صحيفة الدنيا العراقية لقاء خاص مع الأستاذ الدكتور د.عبد الحسين شعبان وهو أحد ألأحاديث المهمة التي يفصح فيها شعبان عن مكنوناته الداخلية ويروي الكثير عن حياته، ونحن في بيدر نقوم بإعادة نشرها نظر لأهمية الحوار أجرته الزميلة رنا خالد لمجلة دنيا.
الأكاديمي والمفكر المختص في القانون الدولي والخبير في ميدان حقوق الإنسان والاستشاري في عدد من المنظمات والدوريات الثقافية والإعلامية. د. عبد الحسين شعبان، التقيته للحديث معه عن حياته .. فقلت له : عجزت سطوري عن الوصف، فأنتم مدرسة كبيرة لأجيال متعاقبة عراقية وعربية، تنهل منكم معارف عديدة.. لكن مجلة ” دنيا” أحبت مرافقتكم في كواليس دنياكم بما لا يعرفه القارئ المتابع للدكتور عبد الحسين شعبان…
حياتك الأسرية
– تزوّجت عند بلوغي الـ 43 عاماً ولدي ابنتان (سوسن) حاصلة على شهادة ماجستير قانون، متزوجة وتعمل في دبي و(سنا) حاصلة على شهادة ماجستير في اللغة الانكليزية والثقافة وتعمل في الاسكوا ” اللجنة الاقتصادية – الاجتماعية لغرب آسيا والباسك” التابعة للأمم المتحدة في بيروت. وقد “منحت بناتي كل ما كنتُ أتمنّاه لشخصي دون قيود ثقيلة وخاصة الحرّية”.
* إذا نحن أمام حالة بوح عن جانب غير معروف عن المفكر والأديب والأكاديمي شعبان، وهو الذي يوصف دائماً بالصراحة وشجاعة الرأي والموقف، ولنبدأ من: لماذا تأخرت بالزواج ؟
لم أتأخر أبداً والزواج محطّة حب أطول من المحطات الأخرى، بما سبقها وما لحقها .
** هل تزوجت عن حب؟
الحب هو حبل التواصل الدائم لديّ، والزواج من دون حب مثل شجرة دون ماء أو جسد بلا روح، وسيكون أقرب إلى بركة راكدة .
وهل المرأة تمثّل نصف المجتمع من وجهة نظركم ؟؟
المرأة كل المجتمع، ولك أن تتصوّر مجتمعاً دون نساء، إنه الخواء واليباس والجدب. ومثل هذا المجتمع، بلا أدنى شك، لا يطاق، ويغدو كئيباً وممّلاً وبائساً وبلا عطر.
أول ما يلفت نظرك بالمرأة؟
الروح حين تكون مشعّة تبعث فيك الأمل، وتضفي عليك البهجة والحبور والإشراق، وبالطبع هناك علاقة بين الشكل والمضمون.
ما الذي حوّل حياتك ؟
الحب،
حيث نقلني من ضفة إلى أخرى، شعرت معه أنني غادرت عالم الطفولة إلى عالم الرجولة، وكنت قد سرت أولى خطوات اختياري الفكري مع أولى قبلات الحب التي تعلمّتها.
هل كان ذلك في فترة الجامعة ؟
كلّا، قبلها بسنوات وتحديداً عندما كان عمري 14 سنة، وأول فتاة تواصلت معها جسدياً وعاطفياً كانت أكبر منّي بثلاثة أعوام . تعلّمنا الفنون بصورة مشتركة، أما قبل هذه الفترة فقد كانت العلاقات سطحية وعابرة وليست أكثر من تذوق أولي لمعنى الحب.
هل هذا هو الحب الأول؟
ليس هناك حب أول وحب آخر، فكل حب هو الأول، لأن الحياة مسار ومسيرة وحب دائم.
هل الإعجاب مفتاح للحب ؟؟
نعم ولا…فالإعجاب وحده لا يكفي، لكن الحوار والتواصل والصداقة، هي مفاتيح للقلب والعقل معاً، وبالتالي هي الطريق إلى الروح.
المرأة الأولى في حياتك ؟
كل النساء اللواتي عرفتهن هنّ امرأة أولى، ومع كل بداية هي أولى، ولا يمكن أن تسبح بماء النهر مرّتين، حسب “المثل الصيني” الشهير، لأن الحياة متجددة ومتغيّرة، وكل تغيير سيكون جديداً، وهذه سنّة الحياة .
ماذا يعني لديك الجمال؟
الجمال هو تناسق بين الشكل والمضمون، في إطار ديالكتيكي لا انفصال بينه ، والجمال يعني الاقتراب من الكمال حتى وإن كان متخيّلاً، وفضيلة الجمال في الروح أيضاً، وهي عكس رذيلة القبح في السلوك والعلاقة، والجمال هو أحد تجليات الأهداف السامية، أما الاستعباد فيمثل القبح. وهكذا ، الظلم يمثل الرذيلة والبشاعة، في حين أن العدل يمثل الجمال والخير.
هل تحب السهر؟
كلّا، أنام مبكراً جداً، فأنا “كائن صباحي” وتعلّقي بالصباح اكتسبته من فترة عيشي في الشام التي أحببتها بشغف خاص: ياسمينها وطقسها وأهلها ومثقفيها ونسائها وتراثها وتاريخها وكتبت عنها نصاً أدبياً بعنوان: ” علّمتني الشام حب الصباح” وكنت قد كتبت بأنني سوراقي بقدر عراقيتي فأنا سوري، لا أستطيع وأنا العراقي إلاّ أن أفكر بطريقة أقرب إلى سوريا أو إلى الشام. ولا أستطيع كلّما اقتربت من سوريا إلاّ ان أفكّر عراقياً.
وماذا يعني لك الشروق ؟
الشروق يعني الانبثاق والجديد، وكثيراً ما تسحرني خيوط الشمس وهي تتسلّل من خلف النوافذ فتبعث في النفس دفئاً خاصاً.
وماذا عن الجامعة ؟
إنها فضاء حب وحوار وتواصل وصداقة، وقبل ذلك رواق علم وبيت معرفة.
ألديك نستولوجيا (حنين) إلى الجامعة؟
أشعر دائماً إنني منتمٍ إليها ويمكنني القول إنني أجد نفسي فيها ، على الرغم من الابتعاد عنها كان “…على الكراهة بين الحين والحين” كما يقول الجواهري الكبير في فراقه القسري عن دجلة ، وعندما أزور الجامعة أشعر بنفس الشعور حينما كنت طالباً فيها وقضيت أجمل أيام حياتي وأكثرها حيوية.
كيف غادرتها ردحاً من الزمان ؟
أنا لم أغادرها إلّا مجبراً، ولكن صلتي بها ظلّت مستمرة، فقد درستُ في جامعة بغداد في “كلية الاقتصاد والعلوم السياسية” وبعد تخرجي انتسبت إلى جامعات ثلاث هي (جامعة 17 نوفمبر) و”جامعة جارلس” (كلية القانون) حيث حصلت على ماجستير (علاقات دولية ثم قانون عام) و”أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية” (معهد الدولة والقانون) ونلت درجة الدكتوراه (مرشح علوم في فلسفة العلوم القانونية – اختصاص قانون دولي)، وعُينتُ لفترة قصيرة في جامعة بغداد (مركز الدراسات الفلسطينية) واضطررت إلى الانقطاع في العام 1980، ولكن بعد ذلك عدت إلى عملي بصورة متواصلة ومتقطّعة في “جامعة صلاح الدين” (إربيل) كلية القانون والسياسة حين سمحت الظروف بذلك في أواخر السبعينات، وبعد انتهاء فترة الفصل السياسي في العام 2003 أكملت خدمتي فيها (2008-2010)، وعلى الرغم من تقاعدي الآن فأنا أدرّس في بيروت ، وأشرف على أطروحات لطلبة الدراسات العليا، كما أنني حالياً نائب رئيس جامعة اللّاعنف.
أنت حالياً بصفة أستاذ زائر للعراق؟
نعم، ألقيت محاضرات متخصّصة كأستاذ زائر للماجستير والدكتوراه ومحاضرات مشتركة لطلبة معهد العلمين في النجف، وهذا جزء من عملي كأستاذ زائر غير متفرّغ، ولديّ محاضرات في الشهر القادم في ميلانو وعدد من المؤسسات الأكاديمية الإيطالية. وكنت الشهر الماضي محاضراً في السليمانية (مركز الدراسات المستقبلية) بدعوة من وزير التعليم العالي لإقليم كردستان البروفسور يوسف كوران، ولديّ ارتباطات ومحاضرات مع جامعات عربية عديدة.
لمن يسمع عبد الحسين شعبان؟
فيروز الأولى بالنسبة لي ، كنت في فترة سابقة أستمع كثيراً لأم كلثوم وعبد الوهاب ونجاة الصغيرة وعفيفة اسكندر وناظم الغزالي ورضا علي وأحب الاستماع إلى المقام العراقي، وخصوصاً محمد الكبنجي، وأطرب لأغاني حسين نعمة وسعدون جابر وفاضل عواد والياس خضر وكاظم الساهر وأحبّ ألحان سامي كمال وكمال السيد وكوكب حمزة وطالب القرغولي، وأعجبت كثيراً بمنير بشير ويسحرني سيّد العود العراقي نصير شمّا.
أما على المستوى العالمي، ففي جيلنا كنّا نحب فرانك سيناترا وألفس برسلي وأرمسترونغ وغلين ميلر وجيمس براون وسيفي ويندر وفرقة البيتلز وفرقة أبَا، وفي الموسيقى الكلاسيكية أحبّ بتهوفن وباخ وموزارت ونيقولاي ريمسكي كورساكوف ودفورجاك وكنت قد عشقت جايكوفسكي، كما انشغلت بمشاهدة شبه مزمنة للمسرح والسينما، وهما جزء مني بل إنني جزء منهما، وإذا كان أحد مفكري مطلع القرن العشرين هو القائل “أعطوني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً”، لكنه لو عاش إلى الخمسينات من القرن الماضي ، لاستبدل المسرح بالسينما، والسينما الفن السابع، هي من أرقى الفنون والأكثر تأثيراً وانتشاراً.
ما المدن التي أحببتها دائماً ؟
دمشق وبراغ اللتان لن أنساهما أبداً، أما بيروت فتبقى في القلب، والنجف فإنها ما تزال “توشوشني” وبغداد تسكن روحي.
ما هي أقسى لحظات ضعف الإنسان؟
حين يفقد الثقة بنفسه!
القوة، ليست مادية فحسب، بل هي روحية: نعم والقوة الروحية تستطيع أن تواجه العنف وتنتصر عليه، وهناك فارق بين القوة والعنف، وقد كتبت عن قوة اللّاعنف الخارقة.
ماذا يعني لك السفر؟
أنا في سفر دائم وذلك سفر الروح وأستعين بابن عربي هنا ، فأذكر :الأسفار ثلاثة ..سفر من عنده وسفر فيه وسفر إليه وهذا الأخير سفر التيه والحيرة، وسفر التيه والحيرة لا معنى له . وعلى غرار حيرة ابن عربي : الهدى بالحيرة والحيرة حركة والحركة حياة.
اللون الأصفر كما يراه د. شعبان؟
الاعتدال والنشاط والطاقة والبهجة والمحبة والابتكار وهو لون الشمس.
أليس اللون الأصفر له علاقة بالغيرة كما هو شائع؟
الغيرة أمرٌ ذميم ، خصوصاً إذا ما تحوّل إلى سلوك قد يصل إلى إيذاء الآخر، والمنافسة غير الغيرة، لأنها تدفع الإنسان للتحدي والمواجهة، وهذه ينبغي أن تكون شريفة مثل علاقة الوسيلة بالغاية، فلا غاية شريفة دون وسيلة شريفة، وحسب المهاتما غاندي، فإن العلاقة بين الوسيلة والغاية هي مثل العلاقة بين الشجرة والبذرة، لا انفصال بينهما، بل إن علاقتهما عضوية.
الرياضة التي تحبّ ممارستها دوماً ؟
المشي وبكل الأوقات.
وبعد المشي؟
الحمّام وقيل قديماً: ثلاثة أفضلهم العتيق: الخلّ وربما “الخمر” والحمّام والصديق.
ما الوقت الذي لا تحب أن يشاركك فيه أحد؟
النوم
عندما تسترخي بماذا تفكر ؟
شيئان يكادا يلازمانني هما: الفقراء وفلسطين.ولا أقول ذلك من باب الشعارات، ولكن عليك أن تفتش في كل ما كتبته طيلة نحو خمسة عقود من الزمان فستجد هناك حبلاً سرّياً بيني وبين الفقراء وبيني وبين فلسطين، إذ لا أشعر بالطمأنينة على إنسانيتي إنْ لم أدافع عن الفقراء وعن فلسطين والفلسطينيين الذين عانوا ولا يزالون من ظلم مركّب.
وماذا تتمنى لهما؟
العيش الكريم والعدل والسلام مثلما أتمنى لمجتمعاتنا الحرية والمساواة وهذه القيم تمثّل محور تفكيري.
ثلاث صفات تحبّها؟
الشجاعة والتسامح وعمل الخير.
ثلاث صفات تكرهها؟
الظلم والعنف والغدر.
ماذا عن الكرم ؟
كل شجاع كريم و”الجود بالنفس أسمى غاية الجود” ، وكل بخيل جبان وبالعكس.
أين تضع الحسد ؟
هناك فارق بين الحسد والغبطة، فالغبطة تعني أن تتمنى للنفس ما لدى الغير من نعمة، أما الحسد فيعني التمني بزوال نعمة الآخرين، والحسد صفة ذميمة وهادمة في حين أن الغبطة أمر يدفع المرء من خلال التحدي لنيل ما يتمناه الإنسان.
أجمل محطات حياتك؟
كلّها جميلة: الماضي والحاضر، والإنسان يمكنه أن يخلق الجمال مع نفسه وفيما حوله، ليشيع روح المحبة.
وما زال خلف الكواليس الكثير في حياة ضيفنا الكبير، لكن المساحة المخصصة في المجلة لا تسعها غير أنها ستكون أمام القراء من جديد في أعداد لاحقة.