قبور العراقيين في السويد
لفت انتباهي البروفيسور ضياء النافع , أستاذي في كلية الآداب جامعة بغداد في مطلع الثمانينات . مقالا بعنوان , قبور العراقيين في الاتحاد السوفيتي , وهو الذي كتب كثيرأ عن العلاقات الروسية العراقية وعن جمع العراقيين الذين مروا في روسيا , وعن الادب الروسي وأدبائه في نتاجاتهم ومقالاتهم ومعاركهم الادبية والسياسية وعلاقاتهم بالأدباء العرب .
مملكة السويد ليس الاتحاد السوفيتي سابقا وموقعه الدولي في الصراع بين الحرب والسلم ودعم قوى التقدم وحركات التحرر في أرجاء المعمورة .. فأبواب السوفييت كانت مشرعة للمناضلين المضطهدين في بلدانهم , فكانت موسكو لهم قبلة المناضلين ولهذا حظيت بتجمع كبير على أراضيها من كل بلدان المعمورة من أدباء وقادة أحزاب ومناضلين تعايشوا مع طبيعة المجتمع وكونوا أسر وعوائل . وقسم كبير منهم ماتوا على أراضيها ودفنوا .. وقبورهم شاهده وشاخصة , وهذا ما تناوله الاستاذ ضياء في مقالته الاولى .
مملكة السويد حديثة العهد في استقباله للمهجرين والمهاجرين , لكن لم تعد تخلوا مدينة من قبور للعراقيين .. وهذا هو موضوعنا الاساسي سنسلط الضوء عليه .. عرفانا واستذكارا بأهلنا.
ماجد حسين …
ضابط في المخابرات العراقية ومن رجالات الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس العراقي صدام حسين، أنشق عن النظام عام ١٩٨٣ وتوجه الى لندن عبر الكويت , لكن رفض طلبه في لندن فتوجه الى عاصمة السويد ( أستوكهولم ) . وقد أدلى بمعلومات لصحيفة سفينسكا داغبلادت أدان في حينها سياسة النظام في تعقب معارضيه كاشفا عن خطط مخابراتية في أغتيال معارضين لنظام حكم صدام حسين وسيكشف المزيد.. في حينها كان محمد سعيد الصحاف سفيرا للعراق في السويد، اغتيال الضابط ماجد حسين ١٩٨٥تعتبر أبشع جريمة قتل في السويد الى الان قطع جسمه الى ٤٨ قطعة في شقة بمنطقة سودرتاليه .. عبر استدراجه من خلال فتاة عراقية باسم مستعار جميلة الشافجي .. وفي مارس أذار ١٩٨٥ حين تم العثور على جثة مقطعة الاوصال، بحقيبتين , خارج سودرتاليه جنوب السويد تعود للضابط العراقي المنشق ماجد حسين , دلى في العثور عليها بعد أن ذابت الثلوج على شريعة بحيرة بكثرة الطيور الحامية حول أكوام من قطع لحم .
كاظم السماوي …
شاعر وصحفي ومناضل وأنسان , لقب بشيخ المنفيين العراقيين , حيث قضى ومضى أكثر من نصف عمره في المهجر .. أسقطت عنه الجنسية العراقية عام ١٩٥٤ , وتم إعادتها له بعد ثورة تموز عام ١٩٥٨ وعين مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون , وترك العمل سريعا لعدم توافق رؤاه ما كان سائدا أيام الزعيم وزج به بسجن رقم واحد . ألتقيته في المرة الاولى عام ١٩٩٥ في مدينة مالمو السويدية وقدم لي دعما معنويا في أصدرا كتابي الاول (الحلم والشهادة) حول الضابط الشيوعي خزعل السعدي . وروى لي عندما كانوا في سجن رقم واحد , وأرسل له الشهيد خزعل من زنزانته الى زنزانته قصاصة ورق بيد السجان يهنئه بصعود كاكارين بمركبته الى الفضاء . وأحتفظ بكتابي برسالة شخصية منه حول مواقف الشهيد خزعل بمواجهة سياسة الزعيم تجاه تطورات البلد، وقد عاش في سنواته العشرة الاخيرة في السويد بألم , حيث ظل وحيدا بعدما فقد أفراد عائلته الواحد تلو الاخر .
مات في العاصمة السويدية (ستوكهولم) أذار ٢٠١٠ يومها كان الصقيع يلف المدينة الغافية بين مياه الجزر المنتشرة حول العاصمة، دفن في مدينة سليمانية , وقد نعاه الرئيس العراقي جلال الطالباني .
كان من الناشطين في حركة السلم العالمي , وقد أسس حركة السلام في العراق ١٩٥٢ . كان شاعرا كبيرا وأنسانا مثقفا في مناصرته لتحرر الانسان .. وثوريا بمضامين قصائده الانسانية.
شاكر السماوي …
شاعر ومسرحي وسياسي ومناضل .. وصل الى مملكة السويد عام ١٩٨٩ بعد محطات عديدة بعدة بلدان . مات عام ٢٠١٤ في مدينة يتوبوري ودفن بها .
يحسب من أعمدة القصيدة الشعبية في العراق بمضامينها السياسية التحررية , أضافة الى الشعر الفصيح . كتب في السياسة وأختلف حوله الكثير بمواقفه التي مست هموم العراقيين وتطلعاتهم في أيام الحصار الرديء . عضو في أتحاد الكتاب السويديين .. عضو أتحاد المسرحيين السويدي .. وعضو الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب الاجانب .
قام المستشرق الفنلندي نينو بيتر فايسن الاستاذ في جامعة يتوبوري بأعداد دراسات واسعة عن الشاعر شاكر السماوي شعرأ وأنسانا.
في منفاه الاخير بمدينة يتوبوري بشقته في الدوار السادس عام ٢٠١٠ .. زرته الى هناك مع طاقم عمل قناة البغدادية , عندما كنت مدير مكتبها في أوربا لتسليط الضوء عن شاعر وأنسان أثار جدلا واسعا بشعره الفصيح وأرائه الجريئة . فكانت حلقتين متميزتين على شاشة البغدادية وعلى أثرها تم تكريمه وسط حضور عربي وأدبي بمدينة مالمو بجائزة تقديرية , وقمت شخصيا بمنحه الجائزة وسطور من كلمات التكريم بحقه وحق نضالاته ومواقفه والتي امتازت بالجرأة والفصاحة .
علي الجبوري ( أبو أثير ).
السياسي والمناضل .. وصل الى السويد عام ١٩٩٠ منقولا على سديه الموت من مستشفيات موسكو بعد أن عجزوا عن إنقاذه .. ودفن في أستوكهولم بعد وصوله بأيام.
من مواليد ديالى قرية جديدة الشط .. تعرفت عليه عن قرب في ساحات النضال في جبال كردستان . مواقفنا القريبة من صلب الاحداث شدة من أزرنا النضالي والاجتماعي .. ووجهة عملنا صوب الوطن وبين جماهيرنا قوة من سندنا .
في عام ١٩٨٧ وهي المحطة الاخيرة توجهنا بوقت متقارب الى بغداد من قاطع سليمانية .. و ما حدث من مشهد تراجيدي موثق ومنشور في كتاباتي . عام ١٩٨٩ ألتقينا مجددا بمفاجأة رتبها المرحوم سلام الشماع في بيته في دمشق . بدأت رحلتنا من جديد وتعرضنا سوية الى مواقف للنيل من مواقفنا الفكرية والوطنية .. ووقعت عدة اصطدامات، سبقته بالسفر من سوريا , وكان دوره رفاقي وأبوي في تقديم الدعم لأجل سفري .
علي الجبوري مناضل قل نظيره موقفا وأخلاقا وثباتا .. أعدم نظام البعث زوجته أم أثير وسمير .. وربي أولاده في بيت جدهم في مدينة الجديدة بلا أم ولا أب.
زكي خيري ( أبو يحي ) .
قامة شيوعية كبيرة , وتاريخ نضالي يعتد به , من قادة الحزب الاوائل عاصر مؤسسيه .. بعد صراعات وخلافات دامية من الموقف من الوطن . وصل الى السويد في نهاية الثمانينات تاركا صرخته في الدفاع عن الوطن سجال وخلاف بين رفاق الامس وفق المنظور الماركسي بالموقف من الوطن .
لم يسعفه الوقت كثيرا لينعم بعطايا ومساعدات النظام الرأسمالي .. لترقد ثرى روحه في مقبرة سويدية في أستوكهولم .. تاركا جدلا سياسيا ووطنيا حول تاريخه ومواقفه الاخيرة في مذكراته ( صدى السنيين ) من مذكرات شيوعي عراقي مخضرم .
قادر رشيد ( أبو شوان ) .
شيوعي من مدينة سيلمانية , عمل فترة طويلة مصورا في توثيق مسيرة الحزب .. ألتقيته المرة الاولى عام ١٩٨٣ في منطقة كرجال بمصيف أحمداوة .. كان خلوقا ودمثا لا يحشر أنفه في تفاصيل المشاكل اليومية .. روى عنه الرفاق أنه كان يعمل في مقر اللجنة المركزية ببغداد أيام الجبهة الوطنية مع الحليف البعثي،
طيلة تجربة الجبل ورغم عيشنا بفترة ليس قليلة بموقع واحد لم ننجذب كثيرا الى بعضنا ولا حتى تأزمأ بعلاقتنا .. كل شيئ هاديء بحدود رفاق ومناضلين.
عام ١٩٨٦ عدت من قاطع بهدينان ( زيوه ) بعد أن سدت منافذ توغلنا الى بغداد لكثرة العملاء والمدسوسين بين صفوفنا . في صيف عام ١٩٨٧ وصلت الى مناطق كرميان .. وكان المرحوم قادر رشيد مسؤول محلية سليمانية وكركوك ومساعدية الكادر الفلاحي مام فتاح والشيخ سعيد البرزنجي .. تولى المرحوم قادر رشيد ضمان وصولي الى مدينة كركوك ومن هناك الى بغداد بتوصية من قيادة الحزب , لكنه أخطأ الهدف بدل من ايصالي بسلام , سلمت الى الاستخبارات العسكرية في قصبة ( قادر كرم ) . يعد أول من كتب عن أحداث بشتاشان بعنوان ( بشتاشان بين الالام والصمت ) . مات في ستوكهولم عام ٢٠١٤ . على ضوء كتابه هذا , علقت على بعض جنباته من الاحداث التي مررت بها وكانت ( بشتاشان بين الواقع والخيال ) .
أحمد باني خيلاني ( أبو سرباز ) .
شيوعي عضو لجنة مركزية، وصل الى السويد في مطلع التسعينات طالبا اللجوء السياسي بعد أن ضاقت الامور به ذرعأ, وبلغ من العمر عتيأ . في تجربة الجبل فقد أبنه سرباز شهيدأ بعد أن رحلت زوجته في عاصفة ثلجية بوادي جبلي . عام ٢٠١٣ مات في العاصمة السويدية (ستوكهولم) منذ اليوم الاول لوصولي الى الجبل عام ١٩٨٣ , كان الصراع محتدما حول آلية قيادة قاطع سليمانية وكركوك بينه وبين بهاء الدين النوري على ضوء تداعيات أحداث بشتاشان , فكان للمرحوم أبا سرباز حظوته في قيادة القاطع , وبقيت لمدة عاميين أعمل بنفس الموقع . موقفه في مطلع السبعينات من قيام التحالف الجبهوي مع البعثيين .. موافقته بعد جهد مضني من عزيز محمد رجح كفة الميزان لصالح فريق قيام الجبهة بعد أن كان رافضأ لها مع الفريق الضد .
أسعد هورامي ( أبو زياد ) .
الصديق الصدوق والرفيق كمال عرب .. امتدت علاقتنا منذ عام ١٩٨٣ في الجبل , وبقيت ودية ودافئة الى يوم رحيله عام ٢٠١٣ في العاصمة السويدية . وصل الى السويد عام ١٩٨٨ وفي وقت مبكر أنخرط بالعمل التجاري , وكان من العراقيين الناجحين في مجالات عملهم , لكنه لم يتخلى عن ناسه ومبادئه , ظل متمسكا بتلك القيم والعلاقات . رحل بوقت مبكر أثر مرض خبيث ألم به , ولم ينفك عنه الا أن أدى به الى السماء .
فخرية عبد الكريم ( الفنانة زينب ) .
وصلت الى السويد في مطلع التسعينات , وأثر مرض عضال لم يمهلها طويلا ماتت في أب ١٩٩٧ , ودفنت في مقبرة يوتوبوري . في رحيلها أسدل الستار على أهم أعمدة المسرح العراقي , الذي واكبته منذ صباه ورغم البعد القسري والاضطهاد , لكنها ظلت عاشقه لخشبة المسرح وفضاءاته للتعبير عن تطلعاتها السياسية في انتمائها الشيوعي .
دحام رومي ( أبو جلال ) .
وصل السويد مع رفيقة عمره , والتي أيضا فارقت الحياة في السويد , ودفنوا في مقابرها الجميلة الباردة . غادروا العراق بعد أن يأسوا من عودة أبنائهم لهم , الى عراق هادئ يعم الأمان بين أبنائه .