الادباء الروس في تاريخ الفلسفة الروسية
يحتوي تاريخ الفلسفة الروسية على مجموعة من أسماء بعض الادباء الروس منذ القرن الثامن عشر, وعبر القرن التاسع عشر, ثم القرن العشرين والى حد الان , ونحن في القرن الحادي والعشرين , ونحاول في مقالتنا هذه الاشارة – ليس الا – الى ابرز اسماء هذه المجموعة والتوقف قليلا عندها ( نؤكد على كلمة (أبرز) , اذ لا يمكن عرض كل الاسماء , فالقائمة طويلة جدا والاجتهادات الفلسفية متشعبة و متنوعة جدا ). ونحاول ايضا الاشارة الى العناصر والخصائص الرئيسية في ابداعهم , و التي ادّت بمؤرخي الفلسفة الروسية وضع هؤلاء الادباء ضمن تاريخ الفلسفة تلك ومسيرتها الطويلة , واعتبارهم ادباء وفلاسفة في آن.
الاسم الاول في هذه القائمة هو لامانوسوف ( نكتب اسمه حسب قواعد التلفّظ الروسية , ويأتي اسمه في بعض المصادر العربية لومونوسوف او لامونوسف), وهو عالم روسي موسوعي كبير , وقد قال عنه بوشكين – ( انه جامعتنا) , وأطلقوا اسمه فعلا على جامعة موسكو عام 1940 , ولا زالت هذه الجامعة تسمّى جامعة لامانوسوف لحد الان ( انظر مقالتنا بعنوان – لومونوسوف واللغة الروسية وآدابها) . جاء اسم لامانوسوف ضمن قائمة الادباء – الفلاسفة باعتباره أحد عمالقة التنويريين الروس الكبار , الذين ساهموا بارساء وتثبيت الفكر العلمي التنويري في مسيرة روسيا , وهو سبب وجيه ومنطقي جدا , اذ ان الحركة التنويرية في كل العالم هي جزء لا يتجزأ من الفلسفة فعلا.
الاسم الثاني في هذه القائمة من القرن الثامن عشر ايضا, و هو راديشيف , مؤلف الكتاب الشهير ( رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) زمن الامبراطورة يكاترينا الثانية ( انظر مقالتنا بعنوان – الامبراطورة يكاترينا الثانية والادب الروسي , وكذلك مقالتنا بعنوان – راديشيف وكتابه رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) . راديشيف – تنويري ايضا ( رغم انه يختلف كليّا عن لامانوسوف ), وقد عرض افكاره الفلسفية العميقة بشكل غير مباشر في كتابه الخطير المذكور , و دفع الثمن غاليا من حريّته كما هو معروف .
نشير, ثالثا , الى عدة اسماء من ادباء القرن التاسع عشرسوية , وذلك لأنهم جميعا يرتبطون باتجاه فلسفي واحد يسمى بالنزعة السلافية او( السلوفيانية ) في مسيرة الفكر الروسي ( وهو الاتجاه الفكري المضاد للنزعة الغربية , ومن المعروف ان الصراع بين النزعتين استمربشكل حاد ومتطرف طوال القرن التاسع عشر في مسيرة الفكر والادب الروسي ولا يمكن التوقف عند هذه النقطة هنا طبعا ) , وهؤلاء هم كل من – خومياكوف واودويفسكي واكساكوف وتيوتشيف .
خومياكوف (1804 – 1860) هو شخصية متعددة المواهب في مسيرة الفكر الروسي , ويكاد ان يكون شبه مجهول بالنسبة للقارئ العربي مع الاسف , فهو شاعر وكاتب مسرحي وفنان تشكيلي ومؤرخ وفيلسوف, وساهم حتى بمسيرة البحوث في العلوم البحتة ( وخصوصا الرياضيات ) , ويمكن القول , انه واضع اسس مصطلح ( السلوفيانية ) في تاريخ الفلسفة الروسية ضمن مقالاته وكتاباته العديدة . ولابد من الاشارة وفي هذه العجالة , ان ابداع خومياكوف حاز على اعجاب وتقدير بوشكين وغوغول ودستويفسكي وتولستوي واسماء كبيرة اخرى في تاريخ الفكر والادب الروسي .
الاسماء الثلاثة الاخرى في هذه المجموعة كبيرة ومهمة ايضا في مسيرة الادب الروسي , ولعل ابرزها هو تيوتشيف , الشاعرالاثير والمفضّل لتولستوي , و الذي قال عنه جملته الشهيرة , والتي نجدها في كل المصادر الروسية عن هذا الشاعر الكبير , وجملة تولستوي هذه هي – ( لا يمكن العيش بلا تيوتشيف ), بل ويقال ان تولستوي كان يردد بعض ابيات من شعر تيوتشيف حتى في ايامه الاخيرة. وقد تحولت بعض مقاطع من شعره الى اقوال خالدة ترددها روسيا كلها , ومن تلك الاقوال ابيات فلسفية عميقة من شعره يقول فيها –
روسيا لا يمكن بالعقل فهمها
ولا يمكن قياسها,
هناك خصوصية عندها –
يمكن فقط الايمان بها.
الحديث عن فلسفة تيوتشيف طويل طويل , بل اني وجدت حتى مقالة رائعة وعميقة بالعربية , و لا يمكن عرض مضمونها هنا , ولكني اورد فقط عنوانها , الذي يمتلك بحد ذاته دلالة واضحة المعالم , والعنوان هذا هو – كلمات الفيلسوف تيوتشيف والزخارف الفلسفية في شعره .
ختاما لهذا العرض الوجيز جدا والسريع جدا لموضوعة الادباء – الفلاسفة في الادب الروسي , نود ان نشير , الى ان هناك عدة اسماء كبيرة في هذا الادب تمتاز بمزج الادب والفلسفة بشكل واضح , ومنهم تولستوي ودستويفسكي , وان القارئ العربي اصبح على اطلاع جيد بشأن ذلك ( انظر, مثلا, مقالتنا بعنوان – تولستوي فيلسوفا , ومقالتنا بعنوان – دستويفسكي فيلسوفا / تأملات ) , ولكن القارئ العربي لم يطلع كما يجب على جوانب اخرى في هذا المجال , ومنها مثلا , عن غوغول فيلسوفا , اوعن فلسفة تورغينيف , ولا نريد الاشارة الى ادباء القرن العشرين مثل بلوك وبيللي وغيبيوس وسولوغوب وبريوسوف وبالمونت وبولغاكوف وغيرهم , اذ ان هذه الاسماء بحد ذاتها لازالت شبه مجهولة لهذ القارئ بشكل عام .
اتمنى ان تثير هذه المقالة الوجيزة انتباه واهتمام المتخصصين العرب , وان يتناولوا مضمونها العام ويتوسعوا بدراسته , اذ اننا نرى , ان موضوعة تداخل الادب والفلسفة – مسألة مهمة لفهم الاداب ودورها الرائد في مسيرة حياتنا ومجتمعنا.