من هم قتلة الروائي والكاتب علاء المشذوب؟
هل تعتقد الحكومة العراقية إن العقلاء من الناس بالعراق لا يعرفون من هم قتلة الدكتور علاء المشذوب؟ هل تعتقد حقاً بأن الناس العقلاء لا يعرفون بأن الحكومة العراقية تعرف تمام المعرفة من هم القتلة ومن وجههم بالقتل؟ هل تعتقد أيضاً بأن وزارة الداخلية وأجهزة الأمن الداخلية المليئة بالميليشياويين ومستشار الأمن الوطني ورئيس الحشد الشعبي كلهم لا يعرفون من هم قتلة شهداء الشعب والوطن من المثقفين العراقيين الآخرين الذي استشهدوا بذات الطريقة التي استشهد بها الروائي والكاتب والمثقف العراقي د. علاء المشذوب؟ إن القتلة أيها “السادة!” لا يحتاجون إلى العمل في الخفاء كالخفافيش التي تختفي خلف جنح الظلام لتمارس القتل، إنهم قتلة محترفون ينفذون أوامر بالقتل صدرت لهم ويحملونها في جيوبهم ويجوبون بها الشوارع بمدن الجنوب والوسط وبغداد بدراجاتهم البخارية وعرباتهم الحكومية ليمارسوا الاختطاف والتعذيب وإطلاق الرصاص من كواتم الصوت أو بدونها لاغتيال الضحايا على الطريقة التي تعرض لها الشهيد د. علاء المشذوب، وتماما كما حصل قبل ذاك، في فترة حكومة المستبد بأمره نوري المالكي ببغداد حين تم اغتيال المسرحي والكاتب هادي المهدي، ومن ثم المثقف التنويري والكاتب الشيوعي المبدع كامل عبد الله شياع، وكما حصل لمئات من العلماء في مجال الطب والهندسة وغيرها من العلوم، أو كما حصل لمئات الصحفيين والإعلاميين والعلماء والمواطنات والمواطنين العراقيين خلال السنوات المنصرمة من الحكم الطائفي المحاصصي المقيت. نحن، أخص العقلاء من العراقيات والعراقيين، وأنتم يا أركان الحكومة الطائفية السياسية المقيتة، نعرف بالتحديد من هي القوى التي يهمها اغتيال الفكر الديمقراطي الحر، اغتيال الكلمة الصادقة والحرة والمعبرة عن أماني الشعب وآماله والمخلصة لقضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، اغتيال من يكشف ملفات الفساد ويتحدث عن المليارات التي سرقت بالعراق، وكذلك من سرق ويسرق يومياً اللقمة من أفواه الجياع والمعوزين والمرضى والمعوقين والأرامل والأطفال المشردين. نحن، وأنتم أيها الحكام بالعراق، أدرى بتلك القوى الميليشياوية الطائفية المسلحة التي تأتمر بأوامر أحزابها الإسلامية السياسية وبمن يقودها من وراء الحدود، من إيران، الحكم وشيوخ الطائفية السياسية. وإذ نقوم نحن بكشف هوية المجرمين القتلة ومن يوجههم، تقومون أنتم بالتستر عليهم، لأنهم جزء منكم وليسوا بعيدين عنكم، أنهم أنتم!
قيل قديما، ولا زلنا نردد بصواب إن الشعب العراقي “مفتح باللبن” وأنه “يقرأ الممحي والمكتوب”، هذا القول صحيح لملايين من العراقيات والعراقيين، ولكن مع الأسف الشديد لم يشمل كل العراقيات والعراقيين حتى الآن، بل هناك الملايين التي لا تزال الغشاوة تحرم بصرها وبصيرتا من رؤية الحقائق والوقائع، وإلا لما بقي هؤلاء “السادة!” الفاسدون في الحكم ولو لليلة واحدة. ولما استطاع هؤلاء الحكام، وعلى مدى 16 عاماً، الضحك على ذقون كثرة من بنات وأبناء الشعب العراقي، ومواصلة الحكم بالطريقة ذاتها التي حكموا بها العراق خلال السنوات المنصرمة رغم المطالبة بالإصلاح التغيير الفعلي للنظام الطائفي المحاصصي. ومن اعتقد بأن الحكام القدامى الجدد في هذا العهد الطائفي المرير، في حكومة عادل عبد المهدي في الجمهورية الخامسة الطائفية، سيغيرون الأوضاع وينتقلون إلى مرحلة غير طائفية وغير محاصصية وغير تابعة لإيران، خاب اعتقاده، وهم كمن نسى القول العراقي الشهير: هل تنتظر من شفاثة عافية (الصحيح شثاثة، وهي كلمة آرامية تعني الصافية، وهي قضاء عين تمر التابع لمحافظة كربلاء)، أو كما ذكرت مرة في مقالٍ سابق لي قول الشاعر العربي المخضرم كعب بن زهير في قصيدة (البردة)، ولا بأس من إعادة نشره:
ولا تَـمَسَّكُ بـالعَهْدِ الـذي زَعَمتْ *** إلاَّ كَـما يُـمْسِكُ الـماءَ الـغَرابِيلُ
فـلا يَـغُرَّنْكَ مـا مَنَّتْ وما وَعَدَتْ *** إنَّ الأمـانِـيَّ والأحْـلامَ تَـضْليلُ
كـانَتْ مَـواعيدُ عُـرْقوبٍ لَها مَثَلا *** ومــا مَـواعِـيدُها إلاَّ الأبـاطيلُ
وإذا كان حيدر العبادي قد وفى بإدارة عملية تحرير نينوى وابتعد خوفاً ورعباً من المس بملف الفساد وجُبن أمام الحيتان الكبيرة أن تبتلعه، فأن عادل عبد المهدي و”رغم الجعجعة بلا طحين” التي أثارها، أو “العربة الفارغة كثيرة الجعجعة”، حين أعلن تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفاسد ومحارية المفسدين”، فأنه سوف لن يتخذ الخطوات الفعلية ليمسك بتلابيب كبار الفاسدين والمفسدين المعروفين للشعب العراقي كله والذين يطرح، الإعلام المحلي والإقليمي والعالمي المطلع جيداً على أوضاع وفساد العراق، أسماؤهم يومياً، إذ أن أغلبهم من جاءوا به إلى الحكم وبموافقة مباشرة من إيران ليكون مرحلة انتقالية لصالح عبور تمهيداً لمجيء ذات القوى الموبوءة والمرفوضة من الشعب والتي تتحرك حول المستبد بأمره رئيس الوزراء الأسبق في العراق، والذي يحاول تجسين صورته دون فائدة. إن هذا المجلس شكل ليلهي الناس به وإلا لاستفاد من الهيئات والمؤسسات الموجودة أصلاً لهذا الغرض.
ليكن الشعب شاهداً على ما أقول: أن رئيس الحكومة ووزارة الداخلية والقضاء العراقي سيتوصلان إلى نتيجة واحدة: غلق قضية اغتيال الروائي العراقي الديمقراطي د. علاء المشذوب، وستسجل في سجلات الشرطة ضد متهمين مجهولين، كما حصل في قضيتي الشهيدين هادي المهدي وكامل شياع ومئات القضايا الأخرى، سواء أكانت اغتيالات أم فساد أم أجهزة فحص فاسدة أم ..الخ.
ولكن هل على الشعب العراقي أن نقبل بهذه المهزلة المستمرة؟ لا، على الإطلاق، يجب أن يرفض ذلك! من واجب المجتمع أن ينهض، أن ينتفض ضد هذه السياسة الجهنمية التي قادت وتقود إلى موت المزيد من المثقفين والمثقفات، والكثير من المواطنات والمواطنين الآخرين في العراق، بالأمس في بغداد، ومن ثم في البصرة، وبعدها في كربلاء وقبل ذاك وبعده في مدن عراقية أخرى.
اتفق تماماً مع دعوة تجمع عقلاء برئاسة البروفيسور الدكتور قاسم حسين صالح الموجهة إلى المجتمع العراقي، إلى منظمات المجتمع المدني وعقلاء الشعب العراقي، للتظاهر والاحتجاج والمطالبة بالتحقيق “السريع والنظيف” للكشف عن القتلة ومن وجههم للقتل وإعلان النتائج على الرأي العام العراقي والعالمي ومحاسبة الفاعلين. إنها الطريقة الوحيدة لتحريك الشارع العراقي لتحقيق نتيجة أفضل مما نتوقعه من الحكم الطائفي المحاصصي المقيت القائم.
الذكر الطيب للشهيد علاء المشذوب والعزاء لعائلته ومحبي أدبه وشخصه، والخزي والعار للقتلة المجرمين ومن يقف وراءهم.