شعار الصداقة بين الشعوب بين النظرية والمآل
حوار مع الدكتور خليل عبد العزيز
الجزء الثاني
نشرنا سابقا الجزء الأول من حوار أجراه الأستاذ فرات المحسن مع الدكتور خليل عبد العزيز في جريدة الزمان العدد 6186 واليوم نقوم بنشر الجزء الثاني
ــ هل ظهرت حركات تطالب بحق تقرير المصير أو الانفصال عن الاتحاد في تلك الجمهوريات ؟
* لا ينكر حدوث تطور حقيقي في حياة تلك الشعوب وتحسن في طبيعة الثقافة والمعرفة والعمران، ولكن السلطة الحقيقية كانت بيد الروس، وهؤلاء بدورهم مارسوا شتى أنواع الضغوط ويحاولون جهد الإمكان قمع أي مسعى للمطالبة بسقف حقوق أعلى مما منح لشعوب تلك الجمهوريات ، وقد ظهرت حركات عديدة طالبت بحقوق وحريات أكثر، وبعضها ناشد بالاستقلال، وكانت تلك التطلعات والحركات تواجه بالقمع المنظم، وقامت السلطة السوفيتية بإرسال أعداد كبيرة من هؤلاء إلى المنافي وبالذات إلى سيبيريا.ففي القرم ظهرت حركة قومية قوية للتاتار نادت بالحريات والاستقلال فجوبهت بالقمع حيث وجهت لهم سلطة السوفيت جيش عرمرم قضى على تلك الحركة ثم تم ترحيل الآلاف منهم إلى المنافي. أيضا حدثت حركات تمرد ومطالبات بالحريات وحق تقرير المصير والاستقلال الناجز في بعض الجمهوريات فجوبهت تلك الحركات كسابقاتها بالقمع. ففي الأربعينات من القرن العشرين تم الترحيل بشكل جماعي للعديد من المنادين بتلك الحقوق، فمن الشيشان الأنغوش رحل ما يقارب 480000 ومن البلغار و الأتراك الجورجيين رحل ما يزيد على 120000 ومن الأكراد والقوقازيين 200000 وجميع هؤلاء كانوا يرسلون أما إلى منافي سيبيريا أو جمهوريات آسيا الوسطى وقد تعرض الكثير منهم للهلاك أثناء عملية النفي.
خلال الحرب العالمية الثانية واحتلال القوات الهتلرية الفاشية لمساحات واسعة من الاتحاد السوفيتي شاركت مجموعات كبيرة ومسلحة من شعوب أواسط آسيا والقرم واكرانيا القوات الغازية وأخذت تقاتل الجيش السوفيتي وألحقت به خسائر فادحة ودمرت منشات اقتصادية حيوية بشكل وحشي مما دفع ستالين خلال وبعد انتهاء الحرب إلى إجراء عمليات ترحيل ونفي بحق مئات الآلاف من هؤلاء وتحت ظروف غير إنسانية.
ــ وما كانت ردود فعل شعوب تلك البلدان على هذا القمع والاستعباد؟
* جراء هذا القمع كانت ردود الفعل في بعضها قاسية ولم تخمد جذوتها، وكانت دائما في حالة ترقب للثورة على ذلك الحال من القمع، تصور إن سكان القرم تحالفوا في الحرب العالمية الثانية مع الغازي النازي ضد الاتحاد السوفيتي وأنضم العديد منهم إلى الجيش الهتلري وقاتلوا معه،ولازال قائد الحركة التاتارية مصطفى جميلوف موجودا لحد الآن يعيش في أوكرانيا، ومثلهم فعل البعض من أبناء الشعب الأوكراني، فقد قاد بنديرف حركة ضد الجيش السوفيتي، وأنخرط في الجيش النازي الذين منحه رتبة جنرال وعمل على خدمة الرايخ الهتلري، وفي أوكرانيا يمجد ذلك الجنرال الآن ويعتبر بطلا قوميا ووضع له نصبا تذكاريا وسط العاصمة كييف.وفي بعض جمهوريات الاتحاد على بحر البلطيق يقيم الكثير من المواطنين احتفالا يوم 14 تموز من كل عام يتم فيه الرقص وتناول الشراب ولذيذ الطعام وذلك بمناسبة ذكرى دخول الجيش الهتلري وتحررهم من سلطة السوفيت.
ــ ألم تضع السلطة السوفيتية مناهج وخطط لمعالجة تلك الطموحات المشروعة بما يساعد على طمأنة تلك الشعوب وكسب رضاها؟
- على العكس من ذلك كانت القيادة العليا السوفيتية تحاول بشتى الوسائل طمس أي طموح قومي وتحاربه بضغوط كبيرة، وسياسات قهر واستعباد، ويظهر ذلك في سياسات الانصهار القومي وتعميم اللغة الروسية لجعلها اللغة الأم لشعوب الاتحاد السوفيتي جميعها. وخلال فترة حكم ستالين أستوطن الكثير من الروس تلك الجمهوريات، ولم يكن ذلك قد جاء اعتباطاً وإنما كان منهجا سياسيا وبالذات تنفيذ لأفكار ستالين. فهو من طرح ضرورة تغيير الطبيعة السكانية لتلك الجمهوريات، وليس فقط إدارتها سياسيا بالرغم من كون جميع مفاصل السلطة هناك كانت بيد الروس بشكل ناجز وإن أهل البلد يأتون بالدرجة الثانية .
لذات الغرض، اصدر ستالين قرارا بجعل اللغة الروسية، اللغة السائدة في التعاملات الرسمية وفي المدارس لتتقدم على لغة الأم في مختلف المجالات، واتخذت تلك المحاولة طابع الإخضاع بالتنفيذ لنزع سمة الوطنية عن المواطنين، كون اللغة تعتبر الحامل الأساسي للهوية الوطنية.
والأدهى من كل ذلك، فإن القيادة السوفيتية بنت داخل تلك الجمهوريات أجهزة مخابرات وأمن ذات سطوة وقسوة بالغتين، ولكن المهم وقبل أي شيء أن تكون بقيادة روسية. فقد حرصت القيادة على إعداد كوادر قيادية محلية لتلك الأجهزة وأعطتهم سلطات واسعة لإدارة تلك الجمهوريات فظهر من هؤلاء قادة كبار أصبحوا في النهاية رؤساء لتلك الجمهوريات منهم علييف، رشيدوف،شفرنادزه. في أحدى الجلسات داخل معهد الاستشراق الذي كنت أعمل فيه، أخبرت مدير المعهد السيد بابا جان غفوروف عن معلومة استقيتها من مصدرين الأول صحيفة النيويورك تايمز والثاني من BBC .حيث تقول المعلومة بأنه أثناء فترة قيادته لسكرتارية الحزب الشيوعي في جمهورية طاجاكستان قام غفوروف بقتل ما يقارب 450 ألف طاجيكي، عندها تبسم غفوروف وقال هذا الرقم غير صحيح، فالرقم الحقيقي هو أكثر من 600 ألف، وبرر ذلك القتل بالقول بأن بناء السلطة السوفيتية هناك كان يتطلب كل تلك الأضاحي، فلولا ذلك لما وجدت طاجاكستان الاشتراكية السوفيتية، كان ذلك الحدث يفرضه الواقع. وكان غفوروف الرجل الأول الذي حصل على خمسة أوسمة من القيادة السوفيتية على عهد ستالين.
ــ ألا ترى أن البحث في هكذا ملفات وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكل ما جرى بعد ذلك، وكأنه بحث عن مثالب الشيوعية ليس إلا؟
* كلا على الإطلاق، فأنا دائما ما كنت أود عرض حقائق كانت خافية عن الناس، ولم يكن في وارد تفكيري الطعن بالشيوعية والماركسية فهي نظرية ومذهب وتيار فكري فتح للعالم طرق وأبواب أنجز من خلالها ما يعد اليوم إرثا ثريا للبشرية. وكونها دليلا علميا فإن في صلب موضوعاتها العدالة الاجتماعية وهذا الذي أؤمن به كمخرج حقيقي وسلوك سياسي اجتماعي يفضي لسعادة الشعوب. الغاية التي أسعى لها هي عرض العيوب الكثيرة والإخفاقات التي رافقت التجربة السوفيتية للماركسية ومحاولة بناء الاشتراكية، والتي أفضت في النهاية لانهيار عام لجميع المنظومة العالمية للاشتراكية وليس فقط للاتحاد السوفيتي. من المهم هنا أيضا أن يعرف الجميع بأن السياسة السوفيتية بقيادة الحزب الشيوعي كانت تؤكد في فحواها وطريقة تعاملها، كون الروس يمتازون عن باقي شعوب الاتحاد السوفيتي، وإنهم أصحاب حضارة وإنجازات عظيمة في الثقافة والعلوم والمعارف والعسكرية، ووضعوا بصمتهم بجدارة داخل الحياة الثقافية والسياسة للشعوب الأوربية،وهذه حقائق لا تخفى ولا ينكرها أحد، وكان لذلك امتدادا تاريخيا في عمق العهد القيصري، ولم يكن وليد لحظة حضور الاشتراكية وثورة أكتوبر. ولا ينكر ولن يخفى أو يطمس ما قدمه النظام السوفيتي من إنجازات عظيمة ليس فقط للشعب الروسي وإنما أيضا لباقي شعوب الاتحاد السوفيتي وكذلك العالم.
ــ كونك درست في كلية الصحافة جامعة موسكو، وكان هناك تنوع وتعدد في جنسيات الطلبة في تلك الجامعة، هل كان هناك تفاوت وتمايز في مستويات الطلاب ؟
* كانت جامعة موسكو تمتاز بتنوع تشكيلتها الطلابية فتجد حضورا كثيفا لطلاب من مختلف جمهوريات الاتحاد السوفيتي وخارجه أيضا، وحين دخلت كلية الصحافة وفي الصف الأول وجدت معي العديد من طلبة الجمهوريات الاتحادية. الفرق بين هؤلاء الطلبة من روسيا وجمهوريات بحر البلطيق الاتحادية مع باقي طلبة الجمهوريات الاتحادية يبدو ظاهرا. فهؤلاء القادمون من الجمهوريات الجنوبية أو منغوليا كانوا أبناء لقيادات الأحزاب الشيوعية أو من المقربين لهم، والميزة الأخرى لهؤلاء، عدم خضوعهم لأهم شرط لدخول الجامعة أو الاختصاص ألا وهو اجتياز الاختبار العام للحصول على المقعد الدراسي. فهؤلاء كانوا يرشحون مباشرة من قيادة أحزابهم الشيوعية ومؤسسات جمهورياتهم الاتحادية، وبسبب هذا الاختيار والترشيح الحزبي وعدم الخضوع للاختبار ثم التقييم، فإن أغلب هؤلاء كانوا من الطلبة الفاشلين في دراستهم، وكان أساتذة الكليات يعانون الكثير جراء المستوى العلمي المتدني لهؤلاء .
في بداية دراستي تعرفت على أحد هؤلاء وهو القادم من أرمينيا وأسمه رافك وأبوه كان السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأرميني. رافك هذا كان مثالا للجهل والتخلف والغباء، وقد كتب عميد الكلية إلى وزارة التعليم مباشرة، يخبرهم عن عدم قدرة هذا الطالب على الفهم والتطور، ثم فعل العميد ذات الشيء في العام التالي، مبينا للوزارة عدم جدوى استمرار رافك في الدراسة وضرورة فصله وإبعاده لجهة غير دراسية، فحالته في نهاية المطاف سوف تحتسب على كلية الصحافة، وهذه سمعة سيئة، وإن عمل في مجال الصحافة فسوف يقدم ما هو أسوء ،عندها يشار بالسوء لكلية الصحافة في جامعة موسكو وليس غيرها، ويرد السؤال، كيف سمحت الكلية بمنح هذا الطالب شهادة التخرج. ولكن وفي كل مرة يطلب عميد الكلية فصل رافك من الدراسة، تتدخل الجهات الحزبية العليا وتجبر العميد التريث في إبعاده عن الكلية لاعتبارات تتعلق بالحزب الشيوعي في أرمينيا. وفي العام الثالث أراد العميد ولمرات عديدة إيجاد مخرج لهذه الورطة ولكنه وفي الأخير أضطر لاتخاذ قرار بفصل رافك، وبدورها فالوزارة أوقفت العمل بالقرار لمدة أربعة أشهر، لحين دار نقاش بين العميد وبعض المسؤولين هناك، استطاع العميد عندها إقناعهم بضرورة عدم استمرار هذا الطالب في الدراسة بكلية الصحافة.
مثل هذا الآمر كان يحدث في باقي الكليات ويأتي على وفق السياسة التعليمية للدولة السوفيتية، فالقيادة العليا تفضل العمل بناءً على المعايير الحزبية وعلى قاعدة التسريع في إعداد الكوادر العلمية والقيادية لتلك البلدان، والتي تعتقد القيادة السوفيتية إن مثل هذا التسريع والإعداد سوف يقدم كوادر نافعة لبلدانها. فنجد إن امتحان القبول لا يشمل طلاب الجمهوريات الاتحادية ولا ينظر أو يدقق في مستواهم التعليمي. كذلك فسياسة تفضيل أبناء القيادات أو المقربين منهم وزجهم في الدراسة ينتج عنه مساوئ شديدة الخطورة كان لها التأثير الفعلي أثناء وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي .
من نتائج تلك السياسة التعليمية غير الحكيمة لا بل المسيئة، ظهور التفاوت في المستويات العلمية والفنية والثقافية بين طلبة الكلية الواحدة لا بل الصف الواحد، ولعب هذا العامل دور كبير في استشراء نزعة التبخيس وتقليل الشأن بين أوساط الطلبة وكذلك الأساتذة تجاه طلاب الجمهوريات الاتحادية، وانعكس هذا الآمر على عموم التعامل مع شعوب تلك البلدان التي دائما ما كانت تُتَهمْ من قبل الروس بتدني مستوياتها الثقافية والاجتماعية.
ــ أختلف المؤرخون حول تفسير جملة أطلقها لينين عن ستالين في خطابه الموجه إلى الأديب مكسيم غوركي قائلا ( تعال ألي لترى القوقازي العجيب يكتب في المسالة القومية). هل كان لينين يقصد بها التقليل من قدرة ستالين وفكره على تحليل المشاكل القومية للشعوب، أم يا ترى كان مدحا. فستالين أصدر كراسا حول القضايا القومية، وهو لم يكن روسيا بل جورجيا. فيا ترى لماذا حدث كل ذلك التحول في طبيعة حكم ستالين ليصبح دكتاتورا ويفرض على شعوب الاتحاد السوفيتي تعلم اللغة الروسية وخضوع المؤسسات جميعها هناك للإدارة الروسية .
* سبق أن حدثتك عن وجود الفرق بين ثقافة الشعب الروسي وثقافة باقي شعوب الاتحاد خاصة منها الجمهوريات الجنوبية، فالروس لهم ميزة السبق في العلوم والمعرفة والثقافة عن تلك الشعوب، وشعوب الاتحاد الجنوبية كانت متخلفة في مناح الحياة العديدة، فثقافتها محلية محدودة، وليس لها علاقة بالكثير من المعارف الحضارية والتقنيات والعلوم الحديثة، ويمكن الإشارة في ذلك إلى جمهوريات وسط أسيا المسلمة، حيث دائما ما مثل الإسلام عامل كبح للتمدن والعلوم والمعرفة، وكان يعمل على إثارة النعرة الدينية والقومية ويبقي طابع التخلف مسيطر على مقدرات الناس رغم كون الإسلام أثناء فترة حكم السوفيت يمارس في الخفاء.
انضمام تلك البلدان والأقاليم إلى الاتحاد السوفيتي قدم لها الكثير من الإنجازات التي ساعدتها للدخول في العصر الحديث ورفع من مستوى ثقافة ومعارف شعوبها.ولكن العوامل الذاتية الكابحة كانت تجعلها لا ترتقي لمستويات باقي شعوب الاتحاد وبالذات الشعب الروسي.وكانت التقاليد والسياسات الروحية والاجتماعية التي تمارس بالخفاء، تعمق الهوة بدلا من ردمها. وفي المقابل فسياسة القيادة العليا غير الصائبة والقسرية لعبت الدور الأساسي في استشراء وتغذية تلك النزعات.
ستالين كان من أصول جورجية وهي أحدى الجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفيتي، وسبق أن كانت جزءًا من روسيا القيصرية. ويمكن القول إن ستالين كان أكثر من أي قائد روسي تشبثًا بالروسية ويمجد ويفخر بطبيعة الشعب الروسي ومعارفه، وكان مقتنعا بأن شعوب الاتحاد دون الروس لا يمكنهم بناء الاتحاد السوفيتي والاشتراكية، لذا سعى لزج الآلاف من الروس داخل أنشطة وحياة تلك الشعوب،وجعل جميع مفاصل الإدارة في جمهوريات الاتحاد خاضعة لسطوة وقرار المركز المتمثل بقيادته، وكذلك فرض اللغة الروسية لتكون اللغة الأولى للجميع في الاتحاد. هذا التعلق بالروسية يفصح عنه خطابه الموجه للشعب السوفيتي عندما وصلت القوات الهتلرية الغازية إلى ضواحي موسكو، أي على بعد 40 كيلومترا من العاصمة.في ذلك اليوم وخلال الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية ألقى ستالين خطابه الشهير في الساحة الحمراء يستحث فيه الجنود والشعب للدفاع عن الوطن، وهنا ظهر تعلقه بالروسية وأمجاد الشعب الروسي، فكان خطابه موجها بشكل أساسي إلى المقاتلين والشعب الروسي يذكرهم فيه بالأبطال من القادة التاريخيين الروس، وفيه كشف ستالين وبشكل صريح وواضح ميوله تلك، وراح في تمجيد الدور الريادي للروس في مواجهة القوات الهتلرية.فقال بحماس منقطع النظير:
(( يارفاق الجيش الأحمر والقوات البحرية والقادة والمسؤولين العسكريين والسياسيين والأنصار والنصيرات.ينظر العالم اجمعه أليكم في هذه الحرب التي تخوضونها، وهي حرب تحرير، حرب العدالة . يجب أن تأخذوا بعين الاعتبار بطولات قادتنا الروس العسكريين السابقين : الكسندر بيفسكوف، دمتري دونسكوي، كوزمين مينا ، دمتري بشارسلي، الكسندر سوفروف وميخائيل كوتوزوف . يجب أن تكون راية لينين العظيم المحفز الأساس لكم .))
أيضا ولكونه كان قريبا من لينين، ربما أراد أن يضع أمام قائده ما يوحي ببعض أفكاره الماركسية. ولكن علينا أن نعرف بان لغة ستالين الروسية كانت تصاحبها لكنة بائنة، وأيضا لم ينل ستالين حظا جيدا من التعليم، فيقال أنه لا توجد على الإطلاق مدرسة في عموم الاتحاد تقدم ما يثبت تخرج ستالين منها. ويقال أيضا إن تحصيله الدراسي يقتصر على الدراسة في الكنيسة لمدة أربعة أعوام ولم يكمل تعلم الحروف الروسية بشكل ناجز، وبعد أن بلغ عمره 11 عاما عمل في صبغ البيوت وشارك في نضال العمال في جورجيا ومن ثم في روسيا لحين انتمائه إلى الحزب الشيوعي الروسي،ومن هذا يقال بأن كتابه عن المسألة القومية الذي جاء لاحقا، كان قد استعان في إنجازه على بعض الأساتذة والحزبيين الروس.
ــ مع كل ما تقدم من أحداث، هل تعتقد أنها كانت سببا في تفكك الاتحاد السوفيتي ومن ثم انهياره؟
* يمكن أن تكون إجابتي بأكثر من نعم، ففي نظرة للإحداث التي سبقت الانهيار ثم أعقبت ذلك، نستشف الكثير عن حقيقة العلاقة بين الجمهوريات الاتحادية.
سياسة ستالين ومن جاء بعده من قادة، مثلت إيذاء لشعوب الاتحاد، فسياسته التي اعتمدت محاولة تغيير الطبيعة السكانية واللغوية لشعوب الاتحاد لصالح العنصر الروسي انعكست بشكل عام سلبا على العلاقات مع تلك الشعوب ، وصعدت من حدة التخندق المذهبي والقومي تجاه الروس. كذلك السيطرة السياسية والإدارية للروس على مفاصل السلطة في جميع الجمهوريات واستخدام قوى الأمن لقمع أي تحرك أو مناشدة بالحريات أو الحقوق المدنية، سبب الكثير من ردود الفعل القوية، رغم عدم بروزها بشكل ناجز لأسباب عديدة يتقدمها القسوة والقمع. فبعض تلك الشعوب كانت وفي مختلف المراحل تترقب لحظة الخلاص من سطوة الروس والخلع النهائي عن الاتحاد السوفيتي.ولذا نجد هذه الشعوب سباقة في الفكاك من العلاقة بالاتحاد السوفيتي إثر انهياره.
انهار الاتحاد السوفيتي وتفكك كدولة فدرالية في 21 ديسمبر من عام 1991.ورغم إعلان تشكيل اتحاد كومنولث من بعض الجمهوريات الاتحادية السابقة فانهيار الاتحاد الفدرالي للجمهوريات الاشتراكية السوفيتية كان له الأثر الكبير على مستوى العالم أجمع، وكان وقعه كبيرا لدى شعوب بلدان الاتحاد. فقد بدأت ردود فعل تلك الشعوب قاسية وانتقامية لكل ما يمت بعلاقة للسيطرة الروسية ، فكانت هذه البلدان سباقة للتحرر من الإرث السوفيتي، لذا تم في هذا السياق طرد جميع القادة الموالين لروسيا وكذلك الكوادر الإدارية الروسية في مؤسسات السلطة، وأيضا المواطنين الروس الذين استوطنوا تلك البلدان وفق سياسة تغيير الطبيعة السكانية التي شرعت على عهد ستالين.
ولو عدنا لما قبل الانهيار، نجد إن التاريخ قدم دروسا يمكن أن نطلع من خلالها على العلاقة الملتبسة لا بل المنفرة بين تلك البلدان وروسيا والاتحاد السوفيتي.
من الجائز القول إن العلاقة غير السليمة التي كانت تشوب صلات الروس الاتحادين بباقي بلدان الاتحاد هي أسباب مفجرة لصراع خفي ساعد في صنع عوامل الانهيار للاتحاد السوفيتي بعد أن ساهمت سياسة ستالين ومن جاء بعده من قادة الاتحاد إلى الابتعاد كليا عن المبادئ التي جاءت بها الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917 ورمي نداء لينين لشعوب الشرق بعيدا فأدى كل ذلك لنخر ونحر مفهوم العلاقة بين الشعوب وحق تقرير المصير ومن ثم سرع في انهيار الاتحاد السوفيتي.